بسم الله الرحمن الرحيم
باكورة
أخرى!!
قد
يأتي بالتكفير والقتال من هو أشعري صوفي ... يا حاتم العوني
فمالك
وللسلفية؟
قال العوني في
لقائه مع المديفر: «فإنها لم تنسب لا إلى مدرسة
صوفية ولا لمدرسة أشعرية.. أبداً مدرسة سلفية تعتمد التيار السلفي العام في دعوى
أنها تأخذ من الكتاب والسنة وعلماء السلفية المعاصرين والمتأخرين والمتقدمين!».
دعواه اختصاص
السلفية بالتكفير والقتال؛ تلك شكاة ظاهر عنك عارها! ومحمدةٌ لا مذمة عندما يكون
التكفير والقتال بالكتاب والسنة، وما عليهم أهل العلم والأثر، هذا لو صدقت دعواه
اختصاص السلفيين بذلك! كيف وفي حوادث السنين ما يبين كذب دعوى العوني، ومن ذلك حركة الشيخ عثمان بن محمد فودي (1168-1233هـ) زعيم الحركة
الإصلاحية في بلاد الهوسا ومؤسس الدولة الإسلامية الصُكْتِية! وهو مالكي المذهب أشعري العقيدة قادري الطريقة،
تتلمذ على شيخه جبريل عمر، وأخيه عبدلله فودي، وأعلن التكفير لمخالفيه، وأقام
عليهم السيف، وهو عصري الإمام محمد بن عبدالوهاب، ولم يلتقِ به، ولا رآه ولا أخذ
عنه وإن ادعاه من ادعاه، وقد نفى ذلك السائرون على طريقته، ومن بديع الموافقات بين
دعوته ودعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب مع اختلاف الرجلين موطناً ومذهباً ومشرباً
ومعتقداً ما قاله عثمان في كتابه "نور الألباب" (ص:59) لما قسم الناس في
تلك البلاد فجعلهم ثلاثة أقسام، وعد ثانيهم فقال: «وقسم مخلّط يعمل أعمال
الإسلام ويظهر أعمال الكفر، أو يسمع قوله ما يناقض الإسلام فهؤلاء كافرون قطعاً»
ثم ذكر (59-60) أعمالهم التي كفروا بها؛ كـ: «تعظيم الأشجار بالذبح عندها،
والاستهزاء بالدين، وادعاء علم الغيب في الخط أو الرمل أو النجوم، والذهاب للكهان،
وسؤالهم وتصديقهم، والنذر لأصحاب القبور، والسحر».
وكان تقسيم
الناس عنده في زمانه على ثلاثة أقسام وهي:
[1] «كفار، يعبدون الأحجار والجن، ويصرحون على أنفسهم بالكفر، ولا يصلون، ولا
يصومون، ولا يزكون، ويسبّون الله، ويقولون في حقه ما لا يليق في جنابه الأعلى،
وهؤلاء غالب عامة السودانيين الذين يقال لهم: ماغذاوا [Maguzawa]، وبعض عتات الفلاتيين
والتوارك».
[2] «قوم يقرّون بالتوحيد، ويصلّون ويصومون ويزكّون، من غير استكمال شروط، بل يأتون
في ذلك كله بالرسم والعلامة، مع أنهم يخلطون هذه الأعمال بأعمال الكفر الذي ورثوه
من آبائهم وأجدادهم، وبعضهم من قبل نفسه.. وغالب ملوك هذه البلاد وجنودهم وأطبائهم
وعلماؤهم من هذا القبيل ... فهم منهمكون في المعاصي
الجاهلية، متأنسين بها، جارين فيها مجرى المباحات، حتى كأنها لم يرد فيها نهي، وهي
خصال كثيرة أقاموا عليها، وهؤلاء أكثر عامة الفلانيين، وبعض مسلمي السودان» .
[3] «قوم مؤمنون عارفون بالتوحيد كما ينبغي، محسنون للوضوء والغسل والصلاة والزكاة
والصوم، عاملين بذلك كما ينبغي، وهؤلاء النادر القليل» (1).
فهذه دعوة قامت بالتكفير والقتال والجهاد ولم تكن سلفيةً ولا وهابية! وإنما هي
أشعرية صوفية!
وكفّرت بما جاء النص الصريح الواضح من الوحيين على تكفيره، وقاتلت على ذلك.
بل أين العوني
عن التكفير والقتال بالباطل في حركة ابن تومرت (ت:424هـ) المنسوب إلى علي
بن أبي طالب، الأشعري العقيدة، الصوفي الطريقة، ودولته دولة الموحدين!
وهو الذي قال عنه السبكي في "طبقاته" (6/ 109 ، 185): «كَانَ رجلا صَالحا زاهدا ورعا فَقِيها ... فَأَما
دَعْوَاهُ أَن ابْن تومرت كَانَ معتزليا فَلم يَصح عندنَا ذَلِك والأغلب أَنه
كَانَ أشعريا صَحِيح العقيدة أَمِيرا عادلا دَاعيا إِلَى طَرِيق الْحق».
وأي عدلٍ
واستقامة عنده؟ وهو منحرف العقيدة، يسفك الدماء، ويستبيح الحرمات!
وقد اختلف في
نسبه، وجزم ابن خلدون في "مقدمته" (ص:26) بأنه هاشمي النسب! وشنّع على من أنكر ذلك، فقال: «وأما
إنكارهم نسبه في أهل البيت فلا تعضده حجّة لهم، مع أنه إن ثبت أنه ادّعاه وانتسب
إليه، فلا دليل يقوم على بطلانه لأن الناس مصدّقون في أنسابهم».
وكان
على عقيدة الأشاعرة، صوفي الطريقة، ومن أشهر شيوخه أبو حامد الغزالي (ت:555)
الملقب بحجة الإسلام!
ونقل الذهبي في "السير" (19/548) عن
عبدالواحد المراكشي قوله : «وكان جُل ما يدعو إليه الاعتقاد على رأي الأشعري، وكان
أهل الغرب ينافرون هذه العلوم(1)».
قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى
(11/478-491) عن رسالة "المرشدة" التي صنفها ابن تومرت(2): «وضعها أبو عبدالله محمد بن عبد الله
بن التومرت الذي تلقب بالمهدي، وكان قد ظهر في المغرب في أوائل المائة الخامسة من
نحو مائتي سنة، وكان قد دخل إلى بلاد العراق وتعلم طرفا من العلم وكان فيه طرف من
الزهد والعبادة، ولما رجع إلى المغرب صعد إلى جبال المغرب إلى قوم من البربر
وغيرهم جهال لا يعرفون من دين الإسلام إلا ما شاء الله فعلمهم الصلاة والزكاة
والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام واستجاز أن يظهر لهم أنواعا من المخاريق
ليدعوهم بها إلى الدين فصار يجيء إلى المقابر يدفن بها أقواما ويواطئهم على أن
يكلموه إذا دعاهم ويشهدوا له بما طلبه منهم مثل أن يشهدوا له بأنه المهدي الذي بشر
به رسول الله الذي يواطئ اسمه اسمه، واسم أبيه اسم أبيه، وأنه الذي يملأ الأرض
قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وأن من اتبعه أفلح ومن خالفه خسر ونحو ذلك من
الكلام فإذا اعتقد أولئك البربر أن الموتى يكلمونه ويشهدون له بذلك عظم اعتقادهم
فيه وطاعتهم لأمره، ثم أن أولئك المقبورين
يهدم عليهم القبور ليموتوا ولا يظهروا أمره واعتقد أن دماء أولئك مباحة بدون هذا
وانه يجوز له إظهار هذا الباطل ليقوم أولئك الجهال بنصره وأتباعه وقد ذكر عنه أهل
المغرب وأهل المشرق الذين ذكروا أخباره من هذه الحكايات أنواعا وهى مشهورة عند من
يعرف حاله عنه، ومن الحكايات التي يأثرونها عنه أنه واطأ رجلا على إظهار الجنون
وكان ذلك عالما يحفظ القرآن والحديث والفقه فظهر بصورة الجنون والناس لا يعرفونه
الا مجنونا ثم أصبح ذات يوم وهو عاقل يقرأ القرآن والحديث والفقه وزعم أنه علم ذلك
في المنام وعوفي مما كان به وربما قيل إنه ذكر لهم أن النبي علمه
ذلك فصاروا يحسنون الظن بذلك الشخص وانه كان لهم يوم يسمونه يوم الفرقان فرق
فيه بين أهل الجنة وأهل النار بزعمه فصار كل من علموا أنه من أوليائهم جعلوه من
أهل الجنة وعصموا دمه ومن علموا أنه من أعدائهم جعلوه من أهل النار فاستحلوا دمه
واستحل دماء ألوف مؤلفة من أهل المغرب المالكية الذين كانوا من أهل الكتاب والسنة على
مذهب مالك وأهل المدينة يقرءون القرآن والحديث كالصحيحين والموطأ وغير ذلك والفقه
على مذهب أهل المدينة فزعم أنهم مشبهة مجسمة ولم يكونوا من أهل هذه المقالة ولا
يعرف عن احد من أصحاب مالك إظهار القول بالتشبيه والتجسيم ، واستحل
أيضا أموالهم».
وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (19/
541) في ترجمته : «وكان لهجاً بعلم الكلام، خائضاً في مزال الأقدام، ألف عقيدة
لقبها بالمرشدة، فيها توحيد وخير بانحراف، فحمل عليه أتباعه، وسماهم الموحدين، ونبز
من خالف "المرشدة" بالتجسيم، وأباح دمه، نعوذ بالله من الغي والهوى».
وليراجع العوني ومن نظر؛ في كتب التاريخ قيام ابن
تومرت على دولة المرابطين، وهي دولة خير من دولة العراق والشام اليوم! وكيف خرج
عليها "متخذاً الأمر بالمعروف ستاراً لتحقيق غايته وطريقا لاظهار مفاسد
دولة المرابطين فبدأ بالطعن في عقيدة المرابطين ووصفهم بالتجسيم والكفر والنفاق
كما قال لاتباعه بأن غزوهم ومقاومتهم أوجب من حرب النصارى والمجوس"(1).
فبمن سيُلحق العوني حركة ابن تومرت؟
وما جرَّه على المسلمين من مصائب وويلات؟
فهذان
مثالان متباينان في التكفير والقتال من أشعريين صوفيين، وقد مضى على
مرّ التاريخ على الناس من بعض الدعوات والحركات العديد من صور التكفير والقتال،
وهما أصلان شرعيان في القول والعمل، ليس العيب فيهما، وهما من دين الله تعالى،
وعليهما أصل التوحيد، وذروة سنام الشريعة، وإنما العيب فيمن يروم تطبيقهما على غير
الوجه الشرعي، فيكفّر من لا يستحق التكفير، ويستبيح دماء المسلمين والمعاهدين بغير
حق، فيُنسب العيبُ حينئذٍ إلى فاعله لا إلى أصل دين الله تعالى، وما جاء في شرعه،
من الكفر بالطاغوت، وقتال المرتدين والمشركين.
كتبه بدر بن
علي بن طامي العتيبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.