إنَّ من أشد ما ابتُلي به الناس في العصور والدهور علماء السوء الذين يغرِّرون العباد باسم العلم والدين، ويزينون لهم المنكرات العقائدية والفكرية والأخلاقية بزخرف من القول غروراً، ويقلبون لهم الحقائق ويُفسدون عليهم التصورات بالشبهات المضلِّلة، فيغترُّ بهم البسطاء، ويقع في أحابيلهم الذين يتوهمون أن كل من تزيَّا بلباس العلماء فهو على الجادة، وأنَّ كلَّ من ادعى الإصلاح ورفع الشعارات فهو على الطريق. والحقُّ أنَّ هذا التصوُّر ليس بصواب، فما كلُّ عالم مزعوم هو كذلك على الحقيقة، وما كلُّ مُدَّعٍ مصيب، ولذلك أرشد أهل العلم من قديم إلى أنه لا بد في أمور الدين من تحري العلماء الأسوياء أهل التوسط والاعتدال الذين يراعون شرع الله سبحانه ويراعون عباده، وألا ينساقوا وراء كل من يدعي ما ليس فيه مِمَّن تفضحه أقواله وأفعاله وبالخصوص أوقات الفتن والمحن، ولذلك يقول التابعيُّ الجليل الإمام الشَّعْبي رحمه الله: «اتقوا الفاجر من العلماء، والجاهل من المتعبدين؛ فإنهما آفة كلِّ مفتون».
ومن علماء السوء والفتنة الذين ابتُلي بهم العالم الإسلامي في هذا العصر المدعو يوسف القرضاوي، الذي جعل من التحريض على الفتن والثورات في بلدان المسلمين شغله الشاغل، ومن التحريش بين الناس وضَرْبِ بعضهم ببعض مادةً لخطبه وبياناته، حتى امتلأت أياديه من دماء الشعوب المسلمة بالفتاوى والصيحات المغرِّرة، وحتى ذهب نتيجة تحريضاته المستمرة الآلاف من الأبرياء في مصر وليبيا وسوريا وغيرها، ولا يزال إلى يومنا هذا يثير الفتن وينشر العداوات من دون أن يرعوي أو ينزجر.
ومن جملة أعماله المشينة التي تشهد له بالعراقة في الإجرام ما قام به وهو في دولة شقيقة ومن على منبر جمعة، من سلسلة من الاعتداءات التحريضية على بلدان الجوار، مخصصاً دولة الإمارات بالتطاول والطعن والتحريض، متمادياً في حقده عليها وفجوره في الخصومة ضدها؛ حتى أطلق عبارات سوداء قاتمة تنضح بالتكفير المبطَّن للإمارات قيادة وشعباً، حيث قال القرضاوي كبرت كلمةً تخرج من فيه: «الإمارات تقف ضد كل حكم إسلامي، وتعاقب أصحابه وتدخلهم السجون»!!
هكذا قال القرضاوي عامله الله بما يستحق. وإن هذا القول من القرضاوي من أن الإمارات تحارب كل حكم إسلامي دليل على تكفيره المبطن لحكومات الخليج، وأنه لا يراها تحكم بالإسلام بل تقف في نظره ضد الإسلام وتعاديه، وأنه لا حكمَ إسلامياً إلا حكم الإخوان المسلمين، وأن كل من يقف ضد الإخوان أو يعترضهم فإنما هو يعادي الإسلام ويقف ضد الدين، وهذا كله دليل واضح على ما يحمله القرضاوي من فكر تكفيري يستوجب ضمه إلى قائمة الإرهابيين، فإن فتاوى القرضاوي المستمرة بالخروج وسفك الدماء والتكفير تستدعي إدراجه ضمن لوائح الإرهاب والمجرمين.
كيف لا والقرضاوي لا يرعوي عن تحريضاته، ومنها ما قام به في خطبته المذكورة من تحريض الناس في مصر على الخروج إلى الشوارع، داعياً إياهم إلى أن يقفوا ويدعوا الله عز وجل (أن ينصر أهل الإيمان على أهل الكفر)! هكذا يصوِّر القرضاوي للناس أن الذين يقفون ضد الإخوان هم كفار يجب منابذتهم! وأن الأمر برمته هو معركة فاصلة بين الإسلام والكفر! وأنه لا بد من النزول إلى الشوارع لمنابذة الكفر والكافرين! فماذا يمكن أن ينتظره العالم الإسلامي من هذا الرجل بعد هذا؟!
إن ما تفوَّه به القرضاوي من الألفاظ التكفيرية لا يُستغرَب صدورها منه ومن كل من هو مبتلىً بفكر الإخوان المسلمين الذين حملوا راية التكفير في هذا العصر، وأخرجوا للعالم الإسلامي التنظيمات الإرهابية التي كفَّرت المسلمين واستحلت دماءهم وعاثت في ديارهم التقتيل والتفجير والتدمير. وإني لأستغرب من تلك المنظمات الحقوقية التي تدعي الموضوعية وتكتب التقارير المنافية للحقيقة والواقع عن الأبرياء، ثم تسكت عن القرضاوي وأمثاله من المحرِّضين والمكفِّرين الذين تسببوا في سفك الدماء والتقاتل بين الناس؟!
ومع أنهار الدماء المسفوكة في بعض البلدان والكوارث التي حلت بها والتي كان القرضاوي أحد أبرز المتسببين فيها، لا يزال هذا الرجل يظنُّ أن التحريض على الفتن والثورات هو البطولة بعينها، وأن الإسلام الذي جاء لهداية البشر وإسعادهم وإرشادهم إلى مسالك النجاة في الدنيا والآخرة هو دينُ صراعٍ على السلطة وتنافسٍ على الحكم وتسابقٍ إلى مكاسب سياسية وانحيازٍ إلى حزب أو آخر.
وكل هذا زيف ودجل، فالدين الإسلامي الحنيف بعيد كل البعد عن هذه التصورات المشوَّهة، وبريء كل البراءة من هذه الأطماع كلها، فهو دين الله الذي أنزله على عباده ليهديهم ويرشدهم إلى كل خير وصلاح حكاماً ومحكومين، ويحفظ عليهم دينهم ودماءهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم.
فأين هذه المقاصد العظيمة التي جاءت لتهدي الناس وتعصم دماءهم وتصون كرامتهم من صنيع من يريد أن يجعل الإصلاح في تكالب الناس على السلطة، وتقاتلهم من أجلها حتى تذهب في سبيلها الأنفس والأعراض والأموال، ويُبتلى الناس من أجلها في دينهم ودنياهم؟!
وأين تلك الغايات العظمى التي جاءت بتعظيم الدماء وتحريم العدوان من أفاعيل القرضاوي الذي يهوِّن من أمر الدماء ويسترخص إزهاق الأرواح في سبيل مصالح الإخوان المسلمين؟! وأين القرضاوي وأمثاله من المحرِّضين والمكفِّرين من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ»؟
إن جنايات القرضاوي على الإسلام والمسلمين كبيرة، وجرائمه مريرة، فمن جناياته: التسبُّب في سفك دماء المسلمين وجرأته في ذلك وعدم مبالاته، ومن جناياته: تحريف دلالات نصوص الشرع والتلاعب بها بهدف الانتصار لتنظيم الإخوان، ومن جناياته: التعصب الأعمى للإخوان المسلمين حتى أخذ منه التعصب كلَّ مأخذ، فأصبح يتقلَّب في فتاواه تحليلاً وتحريماً، أمراً ونهياً، مدحاً وقدحاً، لا يراعي في ذلك إلا ما يحقق مصالح الإخوان وأهدافهم، فجعل الثورة بالأمس واجبة على كل مسلم ومسلمة، وجعلها اليوم محرمة ورجساً، وأفاض على الجيش المصري بالأمس مدحاً وثناءً، ثم انقلب عليه اليوم قدحاً وذماً وتكفيراً، في سلسلة من التناقضات والتقلبات الصادرة من هذا الرجل الذي أسكرته الفتن والثورات حتى سلبت منه العقل والبصيرة.
نسأل المولى سبحانه أن يكفينا شر علماء السوء، وأن يحفظ علينا بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء وفتنة ومكروه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق