بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصيّن إلى: فضيلة الشيخ د. زياد العبّادي، زاده الله من فضله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا
بعد: فقد استمعت إلى فاتحة مقالتكم في فضائية الأثر هذا اليوم الجمعة حول
معركة استعادة المسجد الأقصى من النّصارى وسرّني أن تكون صاحب المقالة
فقد وكّد لي أحد تلاميذك في آخر إقامتي بالأردن أننا نشترك في الالتزام
بمنهاج السّلف (الوحي والفقه فيه والعمل به وتبليغه) ولعلّ الله أن يحقّق
ذلك ويثبّتنا عليه حتى نلقاه راضياً عنّا.
ولكن
ساءني أنّ مقدِّم المقالة – كعادة الحركيّين – رَفَع صلاح الدّين الأيّوبي
رحمه الله فوق منزلته فوصفه بالمثل الأعلى والرّبّاني ونحوهما من الأوصاف
الغالية.
ولا
ألومه فمبلغ علمه ما يردّده خطباء الحزبيّين والحركيّين (هداهم الله وكفى
الإسلام والمسلمين جهلهم وشرهم) ومنه: طلبهم فتحاً كفتح صلاح الدّين. وقد
كتبت مقالاً قبل بضعة عشر عاماً (وهو موجود على موقع باسم: سعد الحصيّن على
الأنترنيت) أَعْجب لماذا لا يطلبون من الله فتحاً كفتح عمر بن الخطاب رضي
الله عنه الذي تمّ بدون - شكّ- لتكون كلمة الله هي العليا لا للحميّة ولا
للوطنيّة ولا للشّجاعة ولا للغضب، لأنّ عُمَر من خيرة من شهد له رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالجنة وأَمَرَنا باتّباع سنّته.
وإذا
كان مثال عمر رضي الله عنه بعيد المنال، وكان عصر صلاح الدّين رحمه الله
موبوءاً بالتّقليد المذهبي في أحكام العبادات والمعاملات، والتّقليد
الأشعري في الاعتقاد، والتّقليد الصّوفي فيما سُمِّي (الطّريق أو السّلوك
أو الذّكر) فلا يلام صلاح الدّين رحمه الله في سلوك هذا المنهج، ولكنّه –
بلا شكّ – لا يكون مثلاً أعلى ولا ربّانيّاً.
وكيف
يكون مثلاً أعلى أو ربّانيّاً وقد تعايش مع الوثن المسمّى – زوراً –
بالحسين رضي الله عنه وأرضاه يوم كان صلاح الدّين ـ نظريّاً- يحكم باسم
العاضد الفاطمي الذي أَسْنَد إليه قيادة الجيش وسمّاه الملك النّاصر بعد
موت شيركوه، وهذا رحمه الله وجميع الزّنكيّين لا يختلفون عن منهج صلاح
الدّين فيما نقل التّاريخ من أقوالهم وأفعالهم.
بل
تكلَّف صلاح الدّين رحمه الله شرّاً مما نُقِل إلينا من خَبَر من سبقه؛
فبنى الوثن الذي يطاف به اليوم باسم الشافعي رحمه الله ويُدْعى من دون
الله، ومن بين الطائفين به لا تَفْقِد عمائم الأزهريّين هداهم الله، ويقول
المنفلوطي رحمه الله في نظراته: إنّ مشايخ الأزهر يتسابقون إلى كناسته
[أيّهم يحظى ببركة كناسته]. ورَوَى بناء صلاح الدّين هذا الوثن: السّيوطي
رحمه الله في تاريخ الخلفاء ص385- صيدا.
والقتال
لتكون كلمة الله هي العليا – وهو وحده في سبيل الله وتتحقّق به الشهادة
لمن مات مقاتلاً فيه بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم-، هذا القتال
لتكون كلمة الله هي العليا أهم علامات صدقه: هدم الأوثان إذا وُجِدَتْ كما
فعل النبيّ صلى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة، وكما فعل الصّحابة رضي الله
عنهم وأرضاهم، وكما فعل ابن تيمية رحمه الله في القرن السّابع والثامن،
وكما فعل آل سعود رحمهم الله في كلّ أرض فتحوها أو قدروا عليها من النّجف
في العراق إلى بحر عُمَان ومن الخليج إلى البحر الأحمر في القرن الثاني عشر
والثالث عشر الهجري، وقد تصدّر تجديد الدّين وهدم الأوثان في القرن الثاني
عشر الإمام محمد بن عبد الوهاب، وتولى سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود
فتح مكّة والمدينة في أوّل القرن الثالث عشر،
ولما
هُدمت الدّرعيّة وقُتِل ونُفي كبار آل سعود وآل الشيخ عادت أوثان المقامات
والمزارات إلى مكة والمدينة وما حولها، ثمّ بعث الله الملك عبد العزيز آل
سعود منذ بداية القرن الرّابع عشر ليجدّد به الدّين فهدم جيشه كلّ الأوثان
وأكثرها في مكّة والمدينة، وأزال كلّ البدع، وكان من بين الأوثان التي
هدمتها الدّولة السّعوديّة الأولى والحاضرة: وثن ذي الخلصة لخثعم ودوس جنوب
مكّة: ولم يُهْدَما منذ بُنِيَا بعد هدمهما في عهد النّبي صلى الله عليه
وسلم.
آمل العمل على حُسْن اختيار مقدّمي البرامج وتعليمهم ما جَهِلُوا وتصحيح أخطائهم ليتبيّن المستمع، ونصر الله بكم دينه.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن في 1434/12/27هـ بمكة المباركة