السبت، 24 أغسطس 2013

نصيحة أوصى الخليفة علي رضي الله عنه بحفظها

بسم الله الرحمن الرحيم 


نصيحة أوصى الخليفة علي رضي الله عنه بحفظها 

 



عن كميل بن زياد النخعي قال:

أخذ الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي فأخرجني إلى الجبّان ، فلما أصحرنا، جلس ثم تنفس، ثم قال:

(يا كميل إحفظ عني ما أقول لك

القلوب أوعية وخيرها أوعاها.

الناس ثلاثة:

عالم رباني     ومتعلم على سبيل النجاة

وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن شديد



العلم خير من المال

العلم يحرسك           وأنت تحرس المال

المال يزكو على العمل          والمال تنقصه النفقة

محبة العالم دين يدان بها في حياته    العلم يكسب العالم الطاعة في حياته

وجميل الأحدوثة بعد موته

العلم حاكم والمال محكوم عليه          وصنيعة المال تزول بزواله

مات خزان الأموال وهم أحياء     والعلماء باقون ما بقي الدهر

        أعيانهم مفقودة       وأمثالهم في القلوب موجودة



هاه!

 -وأشار بيده إلى صدره-

إن ها هنا علما ً لو أصبت له حملة، بل أصبته لفتى غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا

أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه

يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك

أو منهوم باللذات سلس القياد للشهوات

أو معرىً بجمع الأموال والإدخار بما يكون عليه بعد موته وبال

ليس من دعاة الدين     أقرب شبها بهم الأنعام



كذلك يموت العلم بموت حامليه



اللهم بلى

لن تخلو الأرض من قائم بحجة الله

لكي لا تبطل حجج الله تعالى وبيناته

أولئك

هم الأقلون عددا الأعظمون عند الله أجرا

بهم يدفع الله حججه حتى يدونها إلى نظرائهم    ويزرعونها في قلوب أشباههم

بهم هجم العلم على حقيقة الأمر فاستهلوا ما استوعر منه المترفون

وأنـِسُـوا بما استوحش منه الجاهلون

صحبوا الدنيا بأبدان ٍ أرواحها متعلقة بالمحل الأعلى

أولئك

خلفاء الله تعالى في بلاده والدعاة إلى دينه



هاه هاه !!!

شوقا إلى رؤيتهم



واستغفر الله العظيم لي ولك وإذا شئت فقم)



قال الإمام ابن عبد البر: وهو حديث مشهور عند أهل العلم يستغنى عن الإسناد لشهرته عندهم"جامع بيان العلم "145/1"
قال المحدث الخطيب البغدادي: هذا حديث حسن من أحسن الأحاديث معنى وأشرفها لفظا. "الفقيه والمتفقه 50/1"



 وهنا تتضح حقيقة  المسألة وأنها ليست بالأخذ بالقول الأسهل وأخذ العلم من كل من عنده علم وإلا ما أتعب علي رضي الله عنه بكل هذا الوصف والبيان، ولا ننسى أن علي الخليفة الراشد المهدي رضي الله عنه أوصى بحفظ وصيته هذه. 


هذا الأثر بين:
1- صفات الأئمة الذين يقتدى بهم.
2- صفات المؤمنين اللذي استفادوا من العلماء ونشروا هذا العلم
3- بيان كيف يموت العلم بأن يتحمله من لا يتصف بتلك الصفات.
4- بيان قلة عدد أهل الحق كما صرح به أمير المؤمنين علي رضي الله عنه
5-بيان أصل مهم وهو أنه لا يخلوا زمان من قائم لله بحجة حتى لا تخلوا الأرض من حجج الله وبيناته،
وكل هذا يدفع المؤمن الذي يحب الحق ويريده أن يبحث عن أئمة الإسلام الربانيين الذين اتصفوا بهذه الصفات فالحق لا يعدوهم إلى غيرهم أبدا هم القائمون بحجج الله وبيناته 

قال الإمام أحمد رحمه الله :

قواعد الإسلام أربع: دال ودليل ومبين ومستدل. فالدال: الله تعالى، والدليل: القرآن، والمبين: الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: {لـيبـيّن للناس ما نـُزّل إليهم}والمستدل: أولو الألباب وأولو العلم الذين يجمع المسلمون على هدايتهم، ولا يقبل الاستدلال إلا ممن كانت هذه صفته) العدة في أصول الفقه "135/1"

ولكننا أصبحنا في زمن كما  قال الشاعر

استبدلوا لفظ الفقيه بغيره ***ومن العجيب محدثون دكاترة

والله لو علم الجداد بفعلنا***لاتخذوها في المجالس نادرة

6- قوله "بهم يدفع الله حججه حتى يدونها إلى نظرائهم    ويزرعونها في قلوب أشباههم" بيان كيف يؤخذ العلم وأن أهل العلم يزروعونه في قلوب طلاب العلم وليس بأن يوضع أمام إسمك حرف "د. الفلان " فكم من اغتر بنفسه واغتر الناس به وإلى الله الشكوى.

7-قول علي رضي الله عنه "هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم" فيه إشارة إلى بداية ظهور قلة أهل الحق وقبل هذا قوله عن علمه (لو أصبت له حملة) وفيه بيان شدة حب علي رضي الله عنه لأهل الحق حتى يصل إلى الشوق لرؤيتهم فمن لم تكن فيه صفة حب أهل الخير العاملين به فليراجع دينه قال عليه الصلاة والسلام :


(أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) السلسلة الصحيحة برقم998 




وفي هذا الأثر من البلاغة وانتقاء الكلمات والتراكيب ما لها دلالات عظيمة ولو أردنا بيانها لطال الخطاب والله المستعان.


أسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا

 ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان

 إن ربنا سميع قريب مجيب الدعاء

إنه بعباده رؤوف رحيم



هذا والله أعلم والصلاة والسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.