بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الشيخ خالد الردادي حفظه الله عن القول بجواز صيام الست في غير شوال فأجاب حفظه الله قائلا:
بارك الله فيكم
أكثر
العلماء على عدم جواز صيام الأيام الستة فى غير شوال -وهو الصواب- لقوله
-صلى الله عليه وسلم- :" وأتبعه ستاً من شوال "، وحملوا ماورد فى الرواية
الأخرى: " وستة أيام بعده " على أن المراد بها من شوال على أن اللفظ الأول
مقيد والثانى مطلق فيحمل المطلق على المقيد.
والمسألة في نظري ترجع لأمرين:
- هل قيد شوال قيد معتبر؟
- هل العلة من الصيام منطوقة؟
في
القيد قد يقال إن ذكر شوال جاء لقربه من رمضان واعتياد الناس الصيام، فكان
من باب المسارعة في الخيرات ، إن قلنا بذلك فيكون القيد غير معتبر لخروجه
مخرج الغالب من حال الناس !!
وأما
من حيث الأدلة فالحديث العام عند ابن ماجه رقم(1715):" مَنْ صَامَ سِتَّةَ
أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ، كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ ، مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ". وفي رواية عند أحمد
رقم(22412) والنسائي في"الكبرى"رقم(2874): " جَعَلَ اللهُ الْحَسَنَةَ
بِعَشْرٍ، فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَ
الْفِطْرِ تَمَامُ السَّنَةِ" وهو في "صحيح الترغيب" (1/421)، وأخرجه ابن
خزيمة رقم(2115)بلفظ : " صِيَامُ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ
السِّتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ" .
فيقال إن الفطر قصد به العيد، فجاء الحديث موافقا للقيد، و يحمل المطلق على المقيد فيكون في شوال.
فإن قيل العلة منطوقة !
فيمكن
الرد على ذلك بأن الصيام عبادة و العبادة لا تتوقف على علة، فقد يذكر بعض
من التعليل في صيام الست و يترك البعض فقد يكون هناك أجر زائد في صيام الست
من شوال مترتب على الاستعجال و اتباع السنة و المسألة محتملة ، مثال ذلك
تعليل زكاة الفطر بكونها طهرة للصائم إلا أنها تدفع عن الصبي وهو لا يصوم
فحكم الزكاة لا يدور مع العلة.
فلم يبق
من أدلة القائلين بجواز صيام الست في غير شوال إلا العلة، و الأمر تعبدي ،
فهل يجوز قياس الست من غير شوال على الست في شوال للإشتراك في العلة ؟
مذهب الجمهور عدم القياس في العبادات، و هذه عبادة محضة لا مجال للعقل فيها.
إذن
القول بالصيام في شوال أقوى، خاصة إذا علمنا أن مذهب الجمهور حمل المطلق
على المقيد فمن الناحية الأصولية كل الأدلة ترجح الصيام في شوال.
وما
أحسن ما قال العلامة الصنعاني رحمه الله- في"سبل السلام" (1/582) بعد أن
ذكر بعض تعليلات حديث صيام الست من شوال:" أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّصِّ
بِذَلِكَ لَا حُكْمَ لِهَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ".
ذكر
بعضهم - ممن يرى جواز البدء بصيام الست قبل أداء ما عليه من قضاء صيام
رمضان، وأن صيامها كذلك لا يختص بشهر شوال -: أن حديث صيام الست من شوال
خارج مخرج الغالب، والقاعدة تقول: ( إن النص إذا خرج مخرج الغالب لم يعتبر
مفهومُه)!!
ويجاب
بأن هذا يحتاج إلى دليل ولا يكفي إدعاؤه فهو صرف للحديث عن ظاهره، كما أنه
من شروط خروج القيد مخرج الغالب أن يكون معقول المعنى، فالقيد غير معقول
المعنى لا يمكن أن يخرج مخرج الغالب.والقيد هاهنا زمني، و القيود الزمنية
ليست معقولة المعنى، فالقول إنها تخرج مخرج الغالب ضعيف جدا لابد له من
تأول بعيد، فإن تعلق الأمر بالعبادة فهذا أبعد !
كيف نعرف أن القيد خرج مخرج الغالب ؟
نعرف ذلك بعدة علامات:
منها
:العادة والعرف: مثاله قوله تعالى في المحرمات من النكاح:
{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}.
ومنها: الوضع و لغة العرب: مثاله قوله تعالى :{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}.
و
منها: صرف القيد بدليل آخر كحديث: " الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله" لأن
المجلود وغير المجلود في الحكم سواء، بدليل نص آخر وهو قوله
تعالى:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} و القيد
هنا معقول المعنى.
وعليه
فالقول بأن شهر شوال خرج مخرج الغالب ضعيف لا يدل عليه الحديث لوجود حرف
من "بست 'من' شوال" فجاءت من لحصر الست في زمن معين، و هذا لا يدخل في
القيد الذي يخرج مخرج الغالب لأنه مراد من الكلام فهو إيقاع العمل في زمن
مقصود باللفظ لا وصف. مثال ذلك قوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
فِي الْحَجِّ } فلا يقال إن الظرف المكاني خرج مخرج الغالب لغلبة الظن أن
صيام الثلاثة تكون في الحج، بل الظروف الزمانية و المكانية مقصودة في
القيود إذا إرتبطت بالعبادات، فالأصل في العبادات التقييد بالزمان و المكان
و العدد، و مثل هذه القيود مشتهرة في العبادات كالصلاة و الصيام و الحج بل
لا تكاد عبادة تخلو من هذه القيود ، حتى النوافل المطلقة مقيدة بأوقات
النهي. والله الموفق والمعين.
[ وينظر:"شرح مختصر الروضة" (2/775)، و"شرح الكوكب المنير" (3/490) ].