الثلاثاء، 12 فبراير 2013

مقدمات أربع بين يدي شرح «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» : للشيخ الفاضل عبد القادر بن محمد الجنيد - حفظه الله -



بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمات أربع بين يدي شرح

«كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد»


الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدَى المهتدون، وبعدلِه ضلَّ الضَّالون، لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون، خَلَق فقدَّر، ودبَّر فيسَّر، فكلُّ عبدٍ إلى ما قدَّره عليه وقضاه صائر. والصَّلاة والسَّلام على عبده ورسوله محمَّدٍ الصَّادق المأمون، المؤيَّد بالآيات والمعجزات الباهرة، وعلى آلِه وأصحابه، خير آلٍ وصحب، والذين هم بهديه مستمسكون، ومَن تبعهم مِن صالح العبيد إلى يوم الدِّين. أمَّا بعدُ، فيا أيها الإخوة والأخوات - جملكم الله بالتوحيد والسنة وأكرمكم بالبعد عن الشرك والبدعة -: في هذا اليوم السَّبت، الثَّالث من شهر الله المحرَّم، من عام ألفٍ وأربعمئة وأربعة وثلاثين من هجرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى المدينة، أبتدأُ شرح هذا الكتاب النافع، المتين الماتع، والذي هو بعنوان: «كتاب التَّوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد» . وذلك عبر موقع «إذاعة ميراث الأنبياء»، نفع الله بها، وسدَّد القائمين عليها، وأعظم لهم الأجر، وأكثر الثواب. وقبل البدء بالتعليق على ما حوته أوراق وصفحات هذا الكتاب المبارك من تبويبات، وآيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وآثار عن السَّلف الصَّالح، وأقوال لأهل العلم، أُقدِّم بمقدماتٍ أربع: المقدمة الأولى: عن مصنِّف هذا الكتاب. مُصنِّف هذا الكتاب هو الإمام النحرير، والعالم الراسخ، والمجتهد الحافظ، والفقيه المحدث الأصولي، والداعية المصلح، والواعظ البارع: أبو علي محمَّد بن عبد الوهَّاب بن سليمان بن علي الْمُشرَّفِي الوُهَيْبِي التَّمِيمِي، نسبةً إلى تميم أبي القبيلة العدنانية العربية المشهورة، والتي جاء في فضلها ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلاَثٍ، سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِيهِمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي، عَلَى الدَّجَّالِ»، قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا»، وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ» ([1]). وقد وُلد هذا الإمام - رحمه الله - في سنة ألف ومئة وخمس عشرة من هجرة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى المدينة، في بلدة العُيَيْنَة من أرض نجد. وقد كان بيته بيت عِلْمٍ؛ فوالده - رحمه الله - كان هو المتولي للقضاء في العَارِض، ومن كبار فقهاء نجد، وجده سليمان - رحمه الله - كان مفتي نجد؛ حتى قيل إنه كان أفقه مَن نزل نجدًا في وقته، وعمه إبراهيم - رحمه الله - كان من أهل الإفتاء في نواحي نجد. وكان - رحمه الله - منذ صغره قوي الإدراك، حَسَن الفهم، سريع الحفظ، جيد الذاكرة، كثير المطالعة في كتب التفسير، والحديث، والفقه، والعربية، وفنون العلم؛ حتى إنه حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه سن العاشرة، وكان والده - رحمه الله - يتعجَّب من حُسن فهمه، وجيد معرفته مع أنه لا يزال يافعًا فتيًا، وقدَّمه إمامًا للناس حينها، وكان يقول: «لقد استفدتُ من ولدي محمَّد فوائد من الأحكام». ذكر ذلك الشيخ ابن غنام - رحمه الله - في «روضة الأفكار والأفهام»([2]). وقد طلب العِلم على مشائخ بلده وغيرهم، ورحل في طلبه، وملاقاة أهله إلى المدينة، ومكة، والبصرة، والزبير، والأحساء، وأخذ عن المحدثين، وأجازوه بمروياتهم، والتَقَى بالفقهاء، ونهل منهم فأفادوه. وقال العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - رحمه الله - في كتابه «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» عن هذا الإمام: أمدَّه الله بكثرة الكتب، وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك، وعدم النسيان. سمع الحديث وأكثر في طلبه، وكتب، ونظر في الرجال والطبقات، وحصَّل ما لم يحصِّل غيره. برع في تفسير القرآن، وغاص في دقائق معانيه، واستنبط منه أشياء لم يُسبق إليها، وبرع في الحديث وحِفظه، فقلَّ مَن يحفظ مثله، مع سرعة استحضاره له وقت إقامة الدليل. وفاق الناس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب؛ بل بما يقوم دليله عنده. تمسك بأصول الكتاب والسنة، وتأيَّد بإجماع سلف الأمة.([3]) اهـ وقال أيضًا: وذكر الشيخ حسين بن غنام وغيره، عن أكابر أهل عصرهم، أنهم شهدوا له بالعِلم والدين، وأنه من جملة المجدِّدين لما جاء به رسول ربِّ العالمين؛ وكذلك أهل مصر والشام والعراق والحرمين، والهند وغيرهم، تواتر عن فضلائهم وأذكيائهم مدحه والثناء عليه، والشهادة له أنه جدَّد هذا الدِّين.([4])اهـ ولا يزال العلماء العارفون بالسُّنة يصفونه بـ: «الإمام المجدد». ومنهم هؤلاء الأئمة: عبد الرحمن بن حسن حفيده، وعبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعبد الرحمن بن ناصر السعدي، وسليمان بن حمدان، وعبد العزيز بن عبد الله بن باز، وعبد الرحمن بن قاسم، ومحمد ناصر الدين الألباني، وصالح بن فوزان الفوزان، وربيع بن هادي المدخلي. ولا يزالون يطلقون عليه لقب «شيخ الإسلام». ومنهم هؤلاء الأئمة: عبد الرحمن بن حسن حفيده، وعبد الرحمن بن ناصر السعدي، وعبد الرحمن بن قاسم، وسليمان بن حمدان، ومحمد ناصر الدين الألباني، ومقبل بن هادي الوادعي، وصالح بن فوزان الفوزان. فرحمه الله رحمةً واسعة، ورفع ذكره، وأعلى قدره، وكثَّر أجوره. المقدمة الثانية: عن موضوع الكتاب. هذا الكتاب يتكلَّم عن «توحيدِ الإلهية»، ويقال له: «توحيد العبادة». وسُمِّي بـ: «توحيدِ الإلهية» باعتبار إضافته إلى الله تعالى. وبـ: «توحيد العبادة» باعتبار إضافته إلى العباد. ومعناه: إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادات. فلا نصلِّي ولا نزكِّي ولا نصوم إلا له سبحانه، ولا نتوجَّه بعبادة الدعاء إلا إليه وحده، ولا نذبح إلا له، ولا ننذر إلا له، ولا نطوف إلا له. وأين يكون طوافنا هذا؟ إنه حول بيته الحرام؛ حول الكعبة المشرفة، حول البيت المطهر العتيق؛ لا حول قبر أحدٍ من خلقه أو مزاره ومشهده، أو قبته وعتبته. وهذا النوع من أنواع التوحيد هو الذي خلق الله لأجله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وقام سُوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار. فالمصنف - رحمه الله - في هذا الكتاب قد بيَّن: - معنى هذا التوحيد. - وبين حكمه. - وكيف يُحقق؟. - وذَكر بعض مَن حققه ليكونوا قدوة لنا في تحقيقه. - وبيَّن ما ينقضه ويفسده. - وعرض لأسباب ضعفه ونقصان ثوابه. وكلُّ هذا بأدلة القرآن العزيز، ونصوص السُّنة النبوية، وأقوال سلف الأمة الصالح - رحمهم الله -. وقد قال العلَّامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله - في أول كتابه «القول السديد في شرح مقاصد التوحيد» مؤكدًا لما تقدَّم: هذا الكتاب يشتمل على توحيد الإلهية والعبادة بذِكر أحكامه، وحدوده وشروطه، وفضله وبراهينه، وأصوله وتفاصيله، وأسبابه وثمراته ومقتضياته، وما يزداد به ويقويه، أو يضعفه ويُوهيه، وما به يتم أو يكمل.([5]) اهـ وقال العلَّامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - رحمه الله - في «حاشية كتاب التوحيد»: هذا مكتوبٌ جامع لخصائص التوحيد وحقوقه ومكملاته، وما ينافيه من الشرك الأكبر، أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر، أو البدع القادحة في التوحيد، أو المعاصي المنقصة للتوحيد، وبيان الوسائل والذرائع الموصلة إلى الشرك والمقربة منه؛ بالبراهين القاطعة من الكتاب، والسنة، وأقوال سلف الأمة.([6])اهـ وقد أشار جمعٌ من أهل العلم الأكابر الراسخين ومنهم: العلامة سليمان بن عبد الله حفيد المصنف، والعلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، والعلامة سليمان بن عبد الرحمن بن حمدان - رحمهم الله تعالى - إلى أن هذا الكتاب فَردٌ في معناه؛ فلم يُسبق المصنف - رحمه الله تعالى - إلى إفراد توحيد العبادة بكتاب مستقل، وهذا من فضل الله تعالى وفتحه الطيب عليه، ورفع ذكره وشأنه، ورحمته - عزَّ وجلَّ - وإحسانه إلى مَن كان في عصره من الناس، ومَن بعده إلى ما شاء الله من الزمان؛ فقد انتفع بهذا الكتاب الخلق الكثير، والجم الغفير، فكم من طالب علمٍ قد حفظه، وكم من إنسانٍ قد درسه وقرأ فيه، وكم من عالِم قد شرحه، وكم من نسخة قد طُبعت منه، وكم من مصنَّف قد كُتب في شرحه، وكم من عالِم أو طالب علم قد رسم عليه تعليقًا؟. وصدق الله القائل في تنزيله: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: ٥٨]. المقدمة الثالثة: عن سبب تصنيف هذا الكتاب. إن من توفيق الله - عزَّ وجلَّ - لأهل العلم والفقه، ودلائل رسوخهم، وقوة فهومهم، وقربهم من العلم والناس؛ أن يدركوا الخلل والنقص والتقصير الواقع من الناس في بلدانهم وزمنهم؛ فيكتبوا فيه، ويفردوه بكتبٍ مستقلة، ويتوسعوا في ذكر أحكامه وأدلته وأقسامه وتفاصيله، وتدور مصنفاتهم فيه بين المختصر والمتوسط والمبسوط؛ حتى تشمل الناس كلهم؛ حتى يرجع الناس إلى ربهم، ويقلعوا عن ذنوبهم من شركيات وبدع ومعاصي، ويسدُّوا خللهم، ويتداركوا نقصهم، ويُعذر العالم إلى ربه، وتقام الحُجَّة، وتتضح المَحجَّة؛ فيحيى مَن حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة. ولعلَّ من أهم وأظهر الأسباب التي جعلت هذا الإمام الراسخ - رحمه الله - يكتب هذا الكتاب سببان: السبب الأول: أنه - رحمه الله - قد عاش في عصرٍ وزمن قد مُليء بما ينقض ويبطل هذا التوحيد، وينافي كماله الواجب، ويضعفه وينقص ثوابه. فهذا يصرف عبادة الدعاء لغير الله تعالى، فيدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أغثني يا رسول الله! وذاك يدعو الجيلاني فيقول: فرج عني يا جيلاني! وذاك يدعو البدوي فيقول: مدد يا بدوي! وتلك تدعو فاطمة الزهراء فتقول: اشفيني يا زهراء!. وآخر يصرف عبادة الطواف لغير الله تعالى، فيطوف للعيدروس، أو البدوي، أو الحسين، أو زينب، أو نفيسه أو التيجاني أو المرغني أو الشاذلي أو الرفاعي، على قبورهم وأضرحتهم. وهذا يحلف بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -، وثاني يحلف بالعباس، وثالث يحلف بالأمانة، ورابع يحلف بأبيه أو أمه، وخامس يحلف بشرفه. وهذه تذهب إلى السحرة ليسحروا لها زوجًا، أو صِهرًا، أو قريبًا، وهذا يذهب إلى الكهان ليجدوا له ما سُرق أو ضَاعَ منه. وهذا يتشاءم من رؤية المصائب والبلايا، وثاني يتشاءم برؤية الغراب والهامة، وثالث يتشاءم برؤية أهل العاهات في أول يومه، ورابع يتشاءم ببعض الأيام والشهور. وهذا عاكف عند قبر عبد مخلوق مثله يدعو، ويستغيث، ويذبح، وينذر، ويطوف، ويمرِّغ وجهه، ويعتريه من التعظيم له والخضوع والخشوع والتذلُّل والخوف والرهبة ما قد لا تراه يفعله ويظهر منه مع الله تعالى عند عبادته، وفي مساجده، ووقت الوقوف في مواقف ومشاعر الحج المعظمة. فأراد - رحمه الله - أن ينفع الناس بهذا الكتاب، ويحسن إليهم في دنياهم، وفي قبورهم، وفي آخرتهم؛ حتى يفهموا معنى توحيد العبادة، ويتمسكوا به، ولا يقعوا في ما يفسده أو يضعفه، فجزاه الله عنا وعنهم خيرًا. وقد قال نبي الله يوسف - عليه السلام - للسجينين معه ممتنًا لله ربه، ومعترفًا بنعمة تحقيق التوحيد التي أكرمه بها، وأكرم آباءه: { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } [يوسف: ٣٨]. فمن يعقل هذا؟ من يدرك نعمة الله عليه بتبصير أهل العلم له، وتفهيمه وتفقيهه بدينه وشريعة ربه، لا سيما التوحيد والسنة. وصدق الله - ولا أصدق منه قيلاً وحديثاً - القائل لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم ولأتباعه: { فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } [الأعلى: ٩ – ١١]. صدق الله القائل: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [البقرة: ٢٦٩]. وقد قال العلَّامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في «الدُّرر السَّنية في الأجوبة النجدية» وهو يشير إلى هذا المعنى: ثم خرج - ويعني به: الإمام محمد بن عبد الوهاب من البصرة - إلى نجد قاصدًا الحج، فحج؛ وقد تبين له بما فتح الله عليه، ضلال من ضلَّ في كل قطر وناحية، فلما قضى الحج وقف بالملتزم، وسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يظهر هذا الدِّين بدعوته، وأن يرزقه القبول من الناس.([7])اهـ فكان لهذا الإمام - رحمه الله - ما دَعَا، وأكرمه الله بالإجابة؛ إذ أظهر الله التوحيد على يديه في جزيرة العرب، فأقلع الناس عن الشركيات والبدع، وانتشرت دعوته في اليمن، والشام، والعراق، والمغرب، وأفريقيا، والهند، والسند، وأوروبا، وأستراليا، وعامة البلدان والأقاليم. وطُبع من كتبه ملايين من النسخ، ودُرِّست في المساجد والمدارس والمعاهد والجامعات، وخُطب بها على المنابر، وشرحها العلماء وطلاب العلم، ولا يزال الناس إلى اليوم في إقبال عليها، وتداولٍ لها، ورزقه الله القبول عند أهل السُّنة والحديث في كل مكان، فلا يزال يُذكر ويُثنى عليه، ويُدعى له، وتُشهر فضائله. وفي تأكيد هذا السَّبب يقول العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - رحمه الله - في «حاشية كتاب التوحيد»: ولعموم البلوى في زمانه بعبادة القبور والأشجار وغيرها، ودعوة الأنبياء والأولياء والصالحين وغيرهم، فمن أجل ذلك صرف العناية في بيان ذلك.([8])اهـ وقال العلامة سليمان بن عبد الرحمن بن حمدان - رحمه الله - في كتابه «الدر النضيد على أبواب التوحيد»: وأكثر أهل زمانه قد وقعوا في الشرك الأكبر والأصغر، واعتقدوه دِينًا فلا يُتاب منه ولا يُستغفر، فألَّفه عن خبرة منه ومشاهدة للواقع، فكان لذلك الداء كالدواء النافع، فرحمه الله ورضي عنه.([9])اهـ وقال العلامة مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - كما في كتابه «المصارعة»: القصد أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب انتفع بها المسلمون، وما أكثر المسلمين الذين أنقذهم الله من الضلال ومن البدع ومن الخرافات بسبب كتبه، رحمه الله تعالى، وأنت إذا قرأت في كتابه «كتاب التوحيد» كما أسلفت تجده يأتي بآية وحديث نبوي.([10])اهـ السبب الثاني: عدم وجود مصنَّف مستقل في هذا النوع من أنواع التوحيد؛ مع أنه التوحيد الذي خَلَق الله لأجله الخَلْق، وأرسل الرُّسل، وأنزل الكُتب، فمن المناسب جدًّا والمفيد أن يُفرد هذا التوحيد بكتاب يُبين معناه، ويُبرز فضله، ويجلِّي قوادحه، ويجمع أدلته، ويظهر براهينه، وينقض شُبَه أهل البدع من روافض ومتصوفة وغيرهم حوله ويهدمها، ويكون هداية لمريد الحق من الناس، وبُلغة للعامي وطالب العلم والعالِم في هذا الباب وأحكامه ومسائله، وهذا هو ما فعله هذا الإمام - رحمه الله -؛ حيث صنَّف لنا هذا الكتاب الجليل في المعنى، الدقيق في المبنى، الغزير بالعلم، الكثير في الفوائد، المتنوع في الفرائد، الماتع المشوق، الذي لا تنفك عنه حاجة العالم وطالب العلم والعامي. وقد ذكر العلامة عبد الرحمن بن حسن حفيد المصنف - رحمه الله - كما في «الدرر السنية في الأجوبة النجدية»([11]): أن جدّه الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - قد صنَّف هذا الكتاب في البصرة من أرض العراق حين رحل إليها وإلى الزبير لطلب العلم، جمعه من كتب الحديث التي اطلع عليها في مكتبات علمائها، وما وجده من كتب الإمام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن قيم الجوزية - رحمهما الله -. فجزاه الله عنا وعن الإسلام وعن المسلمين خيرًا، وشكر له صنيعه وتأليفه هذا، وجعله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ»([12]). وقد أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي وغيرهم، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وصحَّحه: الترمذي، وابن حبان، والألباني، والوادعي. وقد سُرَّ علماء أهل السنة والحديث في المشرق والمغرب بهذا الكتاب سرورًا بالغًا، واحتفوا به احتفاءً ظاهرًا، وأثنوا عليه كثيرًا، ولاقوه بالقبول والتأييد؛ فمن حافظٍ له، ومن حَاثِّ أو محفِّظٍ له طلابه، ومن مُدرِّسٍ له بين التلاميذ، ومن شارحٍ لأحاديثه وآياته وآثاره وألفاظه، ومن مُعلِّقٍ على أبوابه وتبويباته، ومن متكلم على مسائله وفوائده. وقد قال الشيخ عثمان بن بشر - رحمه الله - في كتابه «عنوان المجد في تاريخ نجد» عن هذا الكتاب: ما وضع المصنفون في فنه أحسن منه؛ فإنه أحسن فيه وأجاد، وبلغ الغاية والمراد.([13])اهـ وقال العلامة سليمان بن عبد الرحمن بن حمدان - رحمه الله - في كتابه «الدُّر النضيد على أبواب التوحيد»: فإن كتاب التوحيد كتاب بديعُ الوضع، عظيم النفع، لم أرَ مَن سبقه إلى مثاله، أو نسج على منواله؛ فكلُّ بابٍ منه قاعدة من القواعد التي يُبنى عليها كثير من الفوائد.([14])اهـ وقال العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - رحمه الله - في «الدُّرر السنية في الأجوبة النجدية»: كتاب التوحيد، فيما يجب من حق الله على العبيد، لم يُعلم له نظيرٌ في الوجود.([15])اهـ المقدمة الرابعة: عن ما يتميز به هذا الكتاب. هذا الكتاب النافع الماتع على اختصاره وصِغر حجمه إلا أنه قد تميز بميزات طيبة جميلة حسنة يقلُّ وجودها في كتاب. ومن هذه المِيَز: اعتماده - رحمه الله - في تبيين فقه تبويباته على الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وآثار السلف الصالح - رحمهم الله -، فلا تكاد تجد له من الكلام إلا اليسير، وإن وجد فبكُليماتٍ قليلة. وهذه الميزة تكسب القارئ لهذا الكتاب القبول والطمأنينة حول تبويباته، وما فيه من معانٍ ومسائل مطروحة، وأنها مُقرَّرة بالنصوص الشرعية، ومشهورة فيها، ولم يأتِ مُصَنِّفه فيه بشيءٍ من عند نفسه، فلا أحدث قولاً جديداً، ولا خرج بفهم مستقل. وتكسب الثقة بمصنفه، وأنه يسير على جادة أهل العلم من السلف الصالح - رحمهم الله - في تقرير العلم، وتوضيح مسائله، وتبيين أحكامه؛ حيث يقررون ذلك وفق أدلة القرآن والسنة لا يخرجون عنهما، وتكسر باطل أهل البدع والأهواء الذين كذبوا على هذا الإمام - رحمه الله -، وشوَّهُوا دعوته، وتدمغه فإذا هو زاهق. إذ سيقول كلُّ عاقلٍ نَبِيه مُريدٍ للحقِّ: قد قرأنا أجلَّ كُتب هذا الإمام وهو «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» وغيره، فلم نرَ فيها إلَّا كلام الله تعالى، وكلام رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، وكلام أئمة هذه الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة المقتدى بهم، ولم نره يدعُنا إلَّا إلى التمسك بما جاء في القرآن والسُّنة من عقائد، وأحكام، ومعاملات، وعلى طريقة السلف الصالح، وعلى رأسهم الصحابة - رضي الله عنهم -. وهذه الطريقة التي سلكها المصنف - رحمه الله - في هذا الكتاب هي الطريقة التي جرَى عليها غالب أئمة أهل السنة السابقين في كتب الاعتقاد والحديث؛ طريقةٌ جمعت بين قلَّة كلام المصنِّف وكثرة الاستدلال بالنصوص الشرعية. والنفوس الزكية كثيرة القبول لما كان على هذا المنوال من الكتب، سريعة التسليم، تجلِّلها الطمأنينة، ويكسوها الارتياح. وفي تأكيد هذه الميزة يقول العلامة مقبل بن هادي الوادعي محدث بلاد اليمن - رحمه الله - كما في كتابه «المصارعة»: أما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - فإنها دعوة مباركة، وأنت إذا قرأت في كتابه «كتاب التوحيد» تجده كما قلنا يستدل بآية قرآنية وحديث نبوي، سواء أكان في باب تعليق الحروز والعزائم، أم كان في باب دعاء غير الله، أم كان في باب التحذير من بناء من بناء القباب على القبور؛ تجده يستدل بآية قرآنية، وبحديث نبوي، وقد نفع الله بدعوته الإسلام والمسلمين.([16])اهـ وقال العلامة صالح بن فوزان الفوزان - سلمه الله - في كتابه «إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد»: وهذا الكتاب من أنفس الكتب المؤلَّفة في باب التّوحيد؛ لأنه مبني على الكتاب والسنة، بحيث إنه - رحمه الله - يُورد في كل بابٍ من أبوابه آيات من القرآن، وأحاديث من السنة الصحيحة السند أو المعنى، وكلام أهل العلم الأئمة؛ الذين بَيَّنوا معاني هذه الآيات وهذه الأحاديث، فَعَل هذا في كلِّ باب من أبواب الكتاب. فلم يكن هذا الكتاب قولاً لفلان أو فلان، أو أنه كلام من عند المؤلف، وإنما هو كلام الله وكلام رسول الله، وكلام أئمة هذه الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة المقتدى بهم. فتأتي أهمية هذا الكتاب من هذه الناحية؛ أنه مبني على الكتاب والسنة من الآيات والأحاديث، فلا يُقال: إن هذا كلام فلان، أو كلام ابن عبد الوهاب، بل يُقال: هذا كلام الله، وكلام رسول الله، وكلام أئمة الإسلام. وهكذا ينبغي أن يكون التأليف.([17])اهـ ومن هذه المِيَز: دقَّة تبويباته، ودقَّة ما استنبطه من مسائل، ووضوح معانيها، وسهولة ألفاظها، وجميل اختصارها، وحُسن ترتيبه لها، وسلاسة تتابعها وتلاحقها؛ حتى إن من العلماء من شبَّهه في هذا بالإمام الكبير محمد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله - في تبويباته على «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وسننه وأيامه«. وهذه الميزة تبين للقارئ رسوخ قدم هذا الإمام - رحمه الله - في العلم، وتظهر حُسن فهمه، وقوة ذكائه، وغزارة فقهه، وسعة اطلاعه، ووفور معرفته؛ فتطمئن نفسه إلى قراءة هذا الكتاب، وتلقِّي ما فيه من العلم بطمأنينة وارتياح؛ حتى إن المصنف -رحمه الله - قد ذكر في هذا الكتاب على صغر حجمه نحو ثمانين آية، ومئة وواحد وأربعين حديثًا، وما يقرب من الستين أثرًا. ومن هذه المِيَز: حُسن الاختصار في التبويب، والأدلة، والمسائل، مع الترابط بين الأبواب، وسلاسة العبارة، وهذه الميزة مكَّنت وسهَّلت على أعدادٍ كثيرة من الصغار والكبار حفظ هذا الكتاب النافع، الماتع المفيد، ومراجعته ومذاكرته وتدريسه؛ حتى إنَّا أدركنا وسمعنا عن بعض المسنين من عوام الناس في بلاد نجد وغيرها أنهم لا زالوا يحفظونه عن ظهر قلب، ومن لا يحفظه منهم يُلم بمجمله وما قُرر فيه من أمور ومسائل تتعلق بجناب التوحيد. ومن هذه الميز: ختمُه غالب الأبواب بذكر جملةٍ من المسائل التي استنبطها من آيات وأحاديث كلِّ بابٍ، وجعلها في آخره بلفظٍ موجز واضح مفيد، غير معقد ولا مشكل، يُذكرك بكلام السلف الصالح - رحمهم الله تعالى - في مصنفاتهم. وقد قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان - سلمه الله - في كتابه «إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد»: ثم إن الشيخ - رحمه الله - يذكر في آخر كلِّ باب ما يستفاد من الآيات والأحاديث التي أوردها فيه من مسائل العقيدة؛ مما يعتبر فقهًا لنصوص الباب، بحيث يخرج القارئ بحصيلة علمية جيدة من كل باب.([18])اهـ وقد اعتنى العلماء - رحمهم الله - بتوضيح هذه المسائل، وبيان وجه الاستدلال لها من آيات وأحاديث كل باب في أثناء شرحهم لهذا الكتاب، وفي أثناء تدريسهم للطلاب؛ بل إن الشيخ المحدث عبد الله بن محمد الدويش - رحمه الله - قد أفرد لهذه المسائل كتابًا مستقلا طُبع بعنوان «التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد». واعتنى بها شديداً العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في كتابه «القول المفيد على كتاب التوحيد». وهذه المسائل التي استنبطها المصنف - رحمه الله - وألحقها في آخر الأبواب تجلِّي للقارئ والسامع غزارةَ عِلمه، ودقَّة استنباطه، وعالي فهمه. وقد قال العلامة الشهير سليمان بن سحمان - رحمه الله - حاثَّا ومُنشِّطًا طالب العلم على الاهتمام بتبويبات ومسائل هذا الكتاب: وَانْظُرْ بِقَلْبِكَ فِي مَبْنَى تَرَاجِمِهِ تَلْقَى هُنَالِكَ لِلتَّحْقِيقِ عُنْوَانًا وَلِلْمَسَائِلِ فَانْظُرْ تَلْقَهَا حِكَمًا يَزْدَادُ مِنْهُنَّ أَهْلُ الْعِلْمِ إِتْقَانًا([19]) وقد شارفت هذه المسائل - بفضل الله ومنته - على المئة السَّادسة. وإلى هنا وأتوقَّف، وأُتم في السَّبت القادم - بإذن الله تعالى -، وأسألُ الله لي ولكم النفع بهذا الكتاب، وبالتعليقات عليه، والشرح له، وأسأله أن يرزقنا الإخلاص في ذلك، إن ربِّي سميع الدعاء.
  هذا الدرس ألقاه: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد. بتاريخ:3/ 1/ 1434هـ
  وشكر الله تعالى لمن قام بتفريغه من الأشرطة، ثم تنسيقه وتخريج أحاديثه من مصادرها، وعزو الأقوال إلى مراجعها، وزاده به فقهاً في الدنيا، وأجراً ورفعة في الآخرة.
  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) البخاري (2543) ، ومسلم (2525).
([2]) (1/25-26).
([3]) «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (16/323-324).
([4]) «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (16/324).
([5]) «القول السديد في شرح مقاصد التوحيد» (ص: 18).
([6]) «حاشية كتاب التوحيد» (ص: 11).
([7]) «الدرر السنية في الأجوبة النجدية»(16/317).
([8]) «حاشية كتاب التوحيد» (ص: 12).
([9]) «الدر النضيد على أبواب التوحيد»(ص: 1).
([10]) كتاب «المصارعة»(ص:401).
([11]) «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (12/7).
([12]) أحمد (7504 و7939)، والترمذي (1954و1955)، وأبو داود (4811).
([13]) (1/92).
([14]) «الدر النضيد على أبواب التوحيد» (ص: 1).
([15]) «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (16/337).
([16]) كتاب «المصارعة»(ص400).
([17]) «إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد» (1/18-19).
([18]) «إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد» (1/13).
([19]) «حاشية كتاب التوحيد»(ص:4).



(منقول)







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.