ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري و مسلم من حديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ) وتكلم العلماء على هذا الحديث كلاماً عظيماً عجيباً، وأخذوا بمفهومه المعاكس أن من لم يطلب العلم فإنه لم يرد الله به الخير حتى ولو كان هذا الإنسان على توجيه وعلى حرص على الخير والاستقامة، لكن هذا الخير الذي ميز الله به العلماء وطلاب العلم نعتبره اصطفاءً ربانياً يؤتيه الله من يشاء { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } [الجمعة:4].
وأقول للأحبة: إن هذا الحديث الذي سأذكره يجب أن نستشعره دائماً في حضورنا لحلقات العلم، وجثونا بالركب للاستفادة والتحصيل، فقد ثبت من حديث أبي الدرداء الذي رواه أبو داود و الترمذي وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني وهو حديث: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ).
أخي المسلم: إنك إذا انطلقت لدرسٍ أو لعلم -وأخاطب أحبتي الذين يدرسون في الكليات الشرعية- هل إذا انطلقت تشعر بأنك تمشي في طريق الجنة، وتبحث عن رضا ربك، وأنك تريد من هذا العلم فائدةً وتحصيلاً ترفع الجهل عن نفسك، ثم تعمل بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تبلغ ما علمت إلى الناس وتوصله إليهم، أم أنك تذهب وترجع بمجرد الحضور والبركة؟ لا شك أن حضور حلقات العلم ولو لم يستفد الإنسان شيئاً كما ثبت في الصحيح : ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) وهنيئاً لأولئك الذين يحضرون حلقات العلم، ولو لم يكن لهم تخصصاً شرعياً، فالعلم الشرعي ليس خاصاً بطائفة معينة، وليس لصنفٍ معين، لا للصغير ولا للكبير، وليس لطلاب الكليات الشرعية فقط، بل كل من جثا بركبتيه في المساجد لطلب العلم فإنه يحظى بما ورد من الفضائل في القرآن والأحاديث، وفي غيرها من كلام السلف في فضل العلم وأهميته، ولذلك فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) ومن يوازي محمد صلى الله عليه وسلم؟! وإنما هذا من باب التشبيه؛ شحذاً للهمم من حضور حلقات العلم والاستفادة منها؟ وهذا الحديث قد رواه الإمام الترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( سلوا الله علماً نافعاً، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع ) في سجودك وفي آخر تشهدك سل ربك دائماً أن يرزقك علماً نافعاً، وكم من الناس قد يؤتون علماً ولكنهم لا يستفيدون منه شيئاً، ولا يفيدونه لغيرهم، ولذلك لما وصف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى علماء أهل الكلام ، قال: أوتوا ذكاء ولم يؤتوا زكاءً، ولما ترجم الإمام الذهبي رحمه الله تعالى لأحد علماء أهل الكلام قال: إنه من بحور العلم، لكنه قال بعدها: من بحور العلم الذي لا ينفع؛ لأنه بعيد عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعيد عما كان عليه سلف الأمة ، فلا يستفد من ذلك العلم شيئاً .
(4) البخاري رقم ( 71 ) 1 / 24 ، ومسلم رقم ( 1037 ) 2 / 717 من حديث معاوية - رضي الله عنه -.
والعلم أفضل ما عمرت به الأوقات ، وخير ما أنفقت فيه الأنفاس,وبذلت فيه المهج ، قال النووي رحمه الله : " اتفق جماعات السلف على أن الاشتغال بالعلم,أفضل من الاشتغال بنوافل الصلاة,والصوم,والتسبيح,ونحو ذلك من أعمال البدن " (1) . قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - :
" فعش بعلم ولا تبغي له بدلا ** الناس موتى وأهل العلم أحياء " ونصيحة العلماء هي التزود من العلم ، قال ابن الجوزي رحمه الله :" وما أزال أحرص الناس على العلم لأنه النور الذي يهتدى به "(2). والسعادة إنما هي في العلم ، قال ابن القيم رحمه الله : " السعادة كلها في العلم وما يقتضيه ، والله يوفق من يشاء لا مانع لما أعطى,ولا معطي لما منع ، وإنما رغب أكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها وُعُورَة ُطريقها,ومرارة مباديها,وتعب تحصيلها ، وأنها لا تنال إلا على جد من التعب,فإنها لا تحصل إلا بالجد المحض " (3) . ولم يأمر الله نبيه الازدياد من شيء إلا من العلم,فقال عز وجل { وقل رب زدني علماً } , ومن أراد الله به خيراً فقهه في الدين قال - صلى الله عليه وسلم - :"
من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق عليه (4).
ومن علم أن الدنيا دار سباق وتحصيل للفضائل,وأنه كلما علت مرتبته في العلم والعمل زادت المرتبة في دار الجزاء , انتهب الزمان ولم يضيع لحظة , ولم يترك فضيلة تمكنه إلا حصلها , ومن وفق لهذا , فليبتكر زمانه بالعلم , وليصابر كل محنة وفقر , إلى أن يحصل له ما يريد ، فالراحة لا تنال بالراحة .
منقول
__________
(1) المجموع 4 / 6 .
(2) أحكام النساء لابن الجوزي ص8 .
(3) مفتاح دار السعادة 1 / 111 .
(4) البخاري رقم ( 71 ) 1 / 24 ، ومسلم رقم ( 1037 ) 2 / 717 من حديث معاوية - رضي الله عنه -.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.