الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

شرح حديث ( تعس عبد الدينار ) من صحيح البخاري رحمه الله ...



( في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ تعس عبد الدينار
تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة إن أعطى رضى وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع له ]



قوله : في الصحيح أي صحيح البخاري

قوله : تعس هو بكسر العين ويجوز الفتح أي سقط والمراد هنا هلك قاله الحافظ وقال في موضع آخر : وهو ضد سعد أي شقي قال أبو السعادات : يقال تعس يتعس إذا عثر وانكب لوجهه وهو دعاء عليه بالهلاك

قوله : عبد الدينار هو المعروف من الذهب كالمثقال في الوزن

قوله :

تعس عبد الدرهم وهو من الفضة قدره الفقهاء بالشعير وزنا وعندنا منه درهم من ضرب بني أمية وهو زنة خمسين حبة شعير وخمسا حبة سماه عبدا له لكونه هو المقصود بعمله فكل من توجه بقصده لغير الله فقد جعله شريكا له في عبوديته كما هو حال الأكثر



قوله : تعس عبد الخميصة قال أبو السعادات : هي ثوب خز أو صوف معلم وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة وتجمع على خمائص والخميلة بفتح الخاء المعجمة وقال أبو السعادات : ذات الخمل ثياب لها خمل من أي شئ كان

قوله : تعس وانتكس قال الحافظ : هو بالمهملة أي عاوده المرض وقال أبو السعادات : أي انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة قال الطيبي : فيه الترقي بالدعاء عليه لأنه إذا تعس انكب على وجهه وإذا انتكس انقلب على رأسه بعد أن سقط

قوله : وإذا شيك أي أصابته شوكة فلا انتقش أي فلا يقدر على إخراجها بالمنقاش قاله أبو السعادات

والمراد أن من كانت هذه حاله فإنه يستحق أن يدعى عليه بما يسوءه في العواقب ومن كانت هذه حاله فلا بد أن يجد أثر هذه الدعوات في الوقوع فيما يضره في عاجل دنياه وآجل أخراه

قال شيخ الإسلام رحمه الله : فسماه النبي صلى الله عليه و سلم عبد الدينار والدرهم وعبد القطيفة وعبد الخميصة وذكر فيه ما هو دعاء بلفظ الخبر وهو قوله : تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش وهذه حال من إذا أصابه شر لم يخرج منه ولم يفلح لكونه تعس وانتكس فلا نال المطلوب ولا خلص من المكروه وهذا حال من عبد المال وقد وصف ذلك بأنه : إن أعطى رضى وإن منع سخط كما قال تعالى : ' 8 : 58 ' { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } فرضاؤهم لغير الله وسخطهم لغير الله وهكذا حال من كان متعلقا منها برياسة أو صورة ونحو ذلك من أهواء نفسه إن حصل له رضى وإن لم يحصل له سخط فهذا عبد ما يهواه من ذلك وهو رقيق له إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته فما استرق القلب واستعبده فهو عبده ـ إلى أن قال :

وهكذا أيضا طالب المال فإن ذلك يستعبده ويسترقه وهذه الأمور نوعان فمنها ما يحتاج إليه العبد كما يحتاج إلى طعامه وشرابه ومنكحه ومسكنه ونحو ذلك فهذا يطلب من الله ويرغب إليه فيه فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حماره الذي يركبه وبساطه الذي يجلس عليه من غير أن يستعبده فيكون هلوعا

ومنها : ما لا يحتاج إليه العبد فهذا ينبغي أن لا يعلق قلبه بها فإذا تعلق قلبه بها صار مستعبدا لها وربما صار مستعبدا متعمدا على غير الله فيها فلا يبقى معه حقيقة العبودية لله ولا حقيقة التوكل عليه بل فيه شعبة من العبادة لغير الله وشعبة من التوكل على غير الله وهذا من أحق الناس بقوله صلى الله عليه و سلم : [ تعس عبد الدينار

تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة ] وهذا هو عبد لهذه الأمور ولو طلبها من الله فإن الله إذا أعطاه إياه رضى وإن منعه إياها سخط وإنما عبد الله من يرضيه ما يرضي الله ويسخطه ما يسخط الله ويحب ما أحبه الله ورسوله ويبغض ما أبغضه الله ورسوله ويوالى أولياء الله ويعادى أعداء الله فهذا الذي استكمل الإيمان انتهى ملخصا



قوله : طوبى لعبد قال أبو السعادات : طوبى اسم الجنة وقيل : هي شجرة فيها ويؤيد هذا ما روى ابن وهب بسنده عن أبي سعيد قال : [ قال رجل : يا رسول الله وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها ] ورواه الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى سمعت عبد الله بن لهيعة حدثنا دراج أبو السمح أن أبا الهيثم حدثه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إن رجلا قال : يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك قال طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني قال له رجل : وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها ] وله شواهد في الصحيحين وغيرهما وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرا غريبا عجيبا قال وهب رحمه الله : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها : زهرها رياط وورقها برود وقضبانها عنبر وبطحاؤها ياقوت وترابها كافور ووحلها مسك يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل وهي مجلس لأهل الجنة بينما هم في مجلسهم إذا أتتهم الملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح من حسنها ووبرها كخز المرعزي من لينه عليها رحال ألواحها من ياقوت ودفوفها من ذهب وثيابها من سندس وإستبرق فينيخونها ويقولون : إن ربنا أرسل إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال : فيركبونها قال : فهي أسرع من الطائر وأوطأ من الفراش خبا من غير مهنة يسير الراكب إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها ولا برك راحلة برك صاحبتها حتى إن الشجرة لتنتحى عن طريقهم لئلا تفرق بين الرجل وأخيه قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه فإذا رأوه قالوا : اللهم أنت السلام ومنك السلام وحق لك الجلال والإكرام قال : فيقول تبارك وتعالى عند ذلك أنا السلام ومني السلام وعليكم حقت رحمتي ومحبتي مرحبا بعبادي الذين خشوني بالغيب وأطاعوا أمري قال فيقولون : ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك فائذن لنا بالسجود قدامك قال : فيقول الله : إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ولكنها دار ملك ونعيم وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة فسلوني ما شئتم بأن لكل رجل منكم أمنيته فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول : ربي تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها رب فآتني من كل شئ كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا فيقول الله تعالى : لقد قصرت بك اليوم أمنيتك ولقد سألت دون منزلتك هذا لك منى وسأتحفك بمنزلتي لأن ليس في عطائي نكد ولا قصر يد قال : ثم يقول : اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ولم يخطر على بال قال : فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة على كل سرير منها قبة من ذهب مفزعة في كل قبة منها فرش من فرش الجنة مظاهرة في كل قبة منها جاريتان من الحور العين على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما ولا ريح طيب إلا قد عبق بهما ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة حتى يظن من يراهما أنهما من دون القبة يرى مخهما من فوق سوقهما كالسلك الأبيض في يا قوته حمراء يريان له من الفضل على صحابته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ويرى لهما مثل ذلك ثم يدخل عليهما فيحييانه ويقبلانه ويعانقانه ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له

وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده عن وهب بن منبه وزاد : فانظروا إلى مواهب ربكم الذي وهب لكم فإذا بقباب في الرفيق الأعلى وغرف مبنية بالدر والمرجان أبوابها من ذهب وسررها من ياقوت وفرشها من سندس واستبرق ومنابرها من نور يفور من أبوابها وعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضيء وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها فلولا أنه مسخر إذا لالتمع الأبصار فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض وما كان منها من الياقوت الأخضر فهو مفروش بالسندس الأخضر وما كان منها من الياقوت الأصفر فهو مفروش بالأرجوان الأصفر مبوبة بالزمرد الأخضر والذهب الأحمر والفضة البيضاء قوائمها وأركانها من الجوهر وشرفها من قباب من لؤلؤ وبروجها غرف من المرجان فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم قربت لهم براذين من ياقوت أبيض منفوخ فيها الروح تحتها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء منظومة بالدر والياقوت سرر موضونة مفروشة بالسندس والإستبرق فانطلقت بهم تلك البراذين تزف فينظرون رياض الجنة فلما انتهوا إلى منازلهم وجدوا الملائكة قعدوا على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامة ربهم فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم وما سألوا وما تمنوا وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان جنتان ذواتا أفنان وجنتان مدهامتان وفيهما عينان نضاختان وفيهما من كل فاكهة زوجان وحور مقصورات في الخيام فلما تبوءوا منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم : { هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } وربنا قال : هل رضيتم ثواب ربكم ؟ قالوا : ربنا رضينا فارض عنا قال : فبرضائي عنكم أحللتكم داري ونظرتم إلى وجهي فعند ذلك قالوا : { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } وهذا سياق غريب وأثر عجيب ولبعضه شواهد في الصحيحين

وقال خالد بن معدان : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ضروع كلها ترضع صبيان أهل الجنة وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة فيبعث ابن أربعين سنة رواه ابن أبي حاتم

قوله : أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أي في جهاد المشركين

قوله : أشعث مجرور بالفتحة لأنه اسم لا ينصرف للوصفية ووزن الفعل ورأسه مرفوع على الفاعلية وهو طائر الشعر شغله الجهاد في سبيل الله عن التنعم بالأدهان وتسريح الشعر

قوله : مغبرة قدماه هو بالجر صفة ثانية لعبد

قوله : إن كان في الحراسة كان في الحراسة هو بكسر الحاء أي حمى الجيش عن أن يهجم العدو عليهم

قوله : كان في الحراسة أي غير مقصر فيها ولا غافل وهذا اللفظ يستعمل في حق من قام بالأمر على وجه الكمال

قوله : وإن كان في الساقة كان في الساقة أي في مؤخرة الجيش يقلب نفسه في مصالح الجهاد فكل مقام يقوم فيه إن كان ليلا أو نهارا رغبة في ثواب الله وطلبا لمرضاته ومحبة لطاعته

قال ابن الجوزي رحمه الله : وهو خامل الذكر لا يقصد السمو

وقال الخلخالي : المعنى ائتماره بما أمر وإقامته حيث أقيم لا يفقد من مقامه وإنما ذكر الحراسة والساقة لأنهما أشد مشقة انتهى وفيه فضل الحراسة في سبيل الله

قوله : إن استأذن لم يؤذن له أي إن استأذن على الأمراء ونحوهم لم يؤذن له لأنه لا جاه له عندهم ولا منزلة لأنه ليس من طلابها وإنما يطلب ما عند الله لا يقصد بعمله سواه

قوله : وإن شفع بفتح أوله وثانية لم يشفع بفتح الفاء مشددة يعني لو ألجأته الحال إلى أن يشفع في أمر يحبه الله ورسوله لم تقبل شفاعته عند الأمراء ونحوهم

وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا : [ رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ]

وروى الإمام أحمد أيضا عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال : قال عثمان رضي الله ـ وهو يخطب على منبره : [ إني محدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن يمنعني أن أحدثكم به إلا الظن بكم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها ]. 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.