الأربعاء، 27 يوليو 2011

وبل الغمامة شرح عمدة الفقه لابن قدامة ( كتاب الصيام : (5)



وقال الحنابلة(1): والصحيح أن الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادة المرض أنه يباح له الفطر.

قلت: وهذا هو الصحيح، لكن لا يكون ذلك إلا باستشارة طبيب ثقة يخبره بأنه لو صام فإن الصوم يضره، أو بالتجربة كما ذكرنا ذلك في المريض الذي يضره الصوم.


وَالْمُسَافِرُ الَّذِيْ لَهُ الْقَصْرُ (1)،

.........................................................................


(1) قوله:=وَالْمُسَافِرُ الَّذِيْ لَهُ الْقَصْرُ+: أي وكذلك المسافر الذي يشرع له قصر الصلاة فيباح له الفطر في رمضان، دليل ذلك قوله تعالى:[فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ](2).

وروى مسلم عن حمزة الأسلمي ÷ قال: قلت يا رسول الله: أجد مني قوة على الصوم في السفر، فهل عليَّ جناح؟ فقال:=هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ+(3).

وروى مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري ÷ قال: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ " إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ قَالَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ":=إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَكَانَتْ رُخْصَةً فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلا آخَرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ " بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ+(4).


__________


(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/367).

(2) سورة البقرة:184.

(3) أخرجه مسلم ـ

كتاب الصيام ـ باب التخيير في الصوم والفطر في السفر (1891).


(4) أخرجه مسلم ـ

كتاب الصيام ـ باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل (1888).

______________________________________________


وعن أبي سعيد ÷ أيضاً قال:=كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ " فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ+(1).
فهذه نصوص الكتاب والسنة تدل دلالة واضحة على إباحة الفطر للمسافر،
..................................................................................................................
لكن أيهما أفضل في حقه الصوم أم الفطر؟ نقول: اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
فذهب الحنفية(2)، والمالكية(3)، والشافعية(4) إلى أن الصيام أفضل لمن قوي عليه، والفطر أفضل لمن لم يقوى عليه. دليلهم في ذلك الأدلة السابقة، وأيضاً بما رواه البخاري عن أبي الدرداء ÷ قال:=خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ " فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلا مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ " وَابْنِ رَوَاحَةَ+(5).
وعللوا أيضاً لذلك بتعليلات منها:
أن الصوم في السفر إذا كان لا يتضرر به الإنسان أفضل لأنه أسرع في إبراء الذمة، ولأن الصوم عزيمة والفطر رخصة، ولاشك أن العزيمة الأخذ بها أفضل كما تقرر في أصول الفقه.
فهذا ملخص ما ذهب إليه الجمهور.
__________
(1) أخرجه مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (1882).
(2) الدر المختار (2/117).
(3) بداية المجتهد (1/345).
(4) حاشية القليوبي (2/64).
(5) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب إذا صام أياماً من رمضان ثم سافر (1809)، مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب التخيير في الصوم والفطر في السفر (1892).

___________________________________________


وذهب الحنابلة(1) إلى أن الفطر للمسافر أفضل، بل قال الخرقي:=والمسافر يستحب له الفطر+، قال الماوردي:=وهذا هو المذهب+.
قال صاحب الإقناع:=المسافر يسنُّ له الفطر ويكره له الصوم ولو لم يجد مشقة+.
..................................................................................................................
واستدل الحنابلة على ذلك بما رواه البخاري ومسلم عن جابر ÷ عن النبي " قال:=لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ+(2)، وزاد في رواية:=عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّذِي رَخَّصَ لَكُمْ+(3).
وعن جابر ÷ رضي الله عنهما =أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ " خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ+(4).
قلت: وبعد عرض أدلة الفريقين فالذي يترجح لي أن المسافر الأفضل في حقه فعل الأسهل عليه من الصيام والفطر، فإن تساويا فالصوم أفضل لما يأتي:
(1) لأنه أسرع في إبراء الذمة.
(2) أنه أنشط له إذا صام مع الناس.
(3) أنه يدرك بصومه فضيلة الزمن.
(4) ولأنه فعل النبي " كما في حديث أبي الدرداء ÷ المتقدم(5).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/373) .
(2) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب قول النبي " لمن ظلل عليه (1810)، مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (1879).
(3) مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (1879).
(4) أخرجه مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (1878).
(5) سبق تخريجه، ص155.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.