(3) ما ورد من النهي في أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ÷ أن النبي " قال:=لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ+(1).
وبالنظر إلى هذه الأدلة يتبين لنا أن الصواب ما ذهب إليه الجمهور: أنه لا يصام هذا اليوم الذي حصل فيه غيم أو قتر، لكن هل النهي عن الصيام هنا للتحريم، أم الكراهة، أم للاستحباب؟
نقول: على خلاف بين الفقهاء، والراجح أن النهي هنا للتحريم، وهو اختيار الشيخين(2) رحمهما الله، فإن وافق هذا اليوم ما كان من عادته صيامه كيوم الاثنين أو الخميس مثلاً فلا يحرم ولا يكره صيامه.
? فائدة: هل يجزيء صيام يوم الثلاثين بأن يقول:=إن كان غداً من رمضان فأنا صائم+؟
قد يقول قائل: ما دام أن الأمر أنه لم تظهر رؤيته لوجود غيم أو قتر فأنا أصبح صائماً إن كان من رمضان فهو عن رمضان، وإلا فهو تطوع، أو يقصد صيام هذا اليوم تطوعاً ولم يجزم في ذلك بنية كونه من رمضان.
فإن بان أن غداً من رمضان فهل يجزئه صومه عن رمضان؟
نقول: اختلف الفقهاء في هذه المسألة: فذهب جمهور المالكية(3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5) أنه لا يجزئه لأنه يجب تعيين النية في كل صوم=
وَإِذَا رَأَى الْهِلاَلَ وَحْدَهُ، صَامَ(1)،
..................................................................
__________
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين (1781)، مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين (1812).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/407، 408)، الشرح الممتع (6/306).
(3) القوانين الفقهية، ص80.
(4) روضة الطالبين (2/353).
(5) المغني (4/337).
________________________________
ذكر هذا القول ابن حجر(1)في الفتح، وهذا القول هو ما عليه غالب البلدان الآن، فإن عمل الناس اليوم أنه إذا ثبتت عند ولي الأمر لزم جميع من تحت ولايته أن يلتزموا الصوم أو الفطر.
وبعد ذكر الخلاف في هذه المسألة، وذكر أقوال المذاهب فيها، فالذي يترجح
عندي أنه إذا كانت البلاد متقاربة والمطالع متحدة فيلزمهم الصيام،وإلا فلا=
..................................................................................................................
وهذا هو اختيار شيخنا(2)×
وتوسط سماحة شيخنا ابن باز(3) × في هذه المسألة فقال:=الأمر واسع بحمد الله، فلكل أهل بلد رؤيتهم، كما ثبت ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما لما قدم عليه كريب+.
وبهذا قال جماعة من أهل العلم، ورأوا أنه لكل أهل بلد رؤيتهم، فإذا ثبتت في المملكة العربية السعودية مثلاً وصام برؤيته أهل الشام ومصر وغيرهم فحسن لعموم الأحاديث، وإن لم يصوموا
وتراءوا الهلال وصاموا برؤيتهم فلا بأس.
ذكر بعض الفوائد:
? فائدة (1): أثر الخطأ في رؤية الهلال: قد يحصل خطأ في رؤية الهلال في رمضان، ويترتب عليه إفطار يوم من رمضان، أو ينتج عن رؤية هلال شوال خطأ ويترتب عليه إفطار يوم من رمضان، أو صيام يوم العيد، وهذا الخطأ ناتج إما عن وجود غيم أو التقصير في رؤية الهلال، فما الحكم إذاً في هذه المسألة: نقول: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي بكرة ÷ قال: قال رسول الله ":=شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ+(4).
__________
(1) فتح الباري لاين حجر (4/123).
(2) الشرح الممتع (6/310).
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/85 ـ 99 ـ 102).
(4) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب شهرا عيد لا ينقصان(1779) مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب قول النبي "=شهرا عيد..+(1822)
_________________________________________
قلت: واحتج لذلك بما رواه عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب رسول الله " أنه " قال:=..فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا+(1).
وقال ابن عبد البر(2) ×:=أما الشهادة على رؤية الهلال فأجمع العلماء على أنه لا تقبل في شهادة شوال في الفطر إلا رجلان عدلان+.
وقال النووي(3)×:=فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل+.
قلت: وهذا هو الصواب: أي لا تقبل في الشهادة على الفطر إلا رؤية عدلين بخلاف ما ذهب إليه أبو ثور، والشوكاني(4) كما في نيل الأوطار.
(1) قوله:=وَلاَ يُفْطِرُ إِذَا رَآهُ وَحْدَهُ+: وعلل لذلك لاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط، وهذا هو المذهب(5)، وهو مذهب الحنفية(6)، والمالكية(7)، وذهب الشافعية(8) إلى أنه يفطر سراً، وبه قال بعض الحنفية(9)، والحنابلة(10).
وَإِنْ صَامُوْا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلاَثِيْنَ يَوْمًا، أَفْطَرُوْا(1)، وَإِنْ كَانَ بِغَيْمٍ، أَوْ قَوْلِ وَاحِدٍ، لَمْ يُفْطِرُوْا، إِلاَّ أَنْ يَرَوْهُ، أَوْ يُكْمِلُوْا الْعِدَّةَ (2)،
..........................................
والصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه شيخ الإسلام(11)، وهو قول الجمهور من أنه لا يفطر وحده، بل يفطر مع الناس، وهو أيضاً اختيار شيخنا(12)×.
(
__________
(1) أخرجه النسائي ـ
كتاب الصيام (2087)، وصححه الألباني في سنن النسائي (4/132) رقم (2116).
(2) التمهيد لابن عبد البر (14/254).
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (7/190).
(4) نيل الأوطار (8/229).
(5) الإنصاف (3/278).
(6) فتح القدير مع الهداية (2/325).
(7) القوانين لابن جزي ، ص102.
(8) المجموع شرح المهذب (6/276).
(9) فتح القدير (2/325).
(10) الإنصاف (3/278).
(11) مجموع الفتاوى (15/114).
(12) الشرح الممتع (6/320).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق