مناقشة الشيخ وفقه الله بالتي هي أحسن حول ماكتبه في هذا المقال :
بداية أنقل لكم هذه القصة التي فيها تجرد السلف للحق وقبوله ممن هو دونهم :
نقل الإمام ابن العربي المالكي-رحمه الله-(ت 543هـ)عن محمد بن قاسم العثماني غير مرة قال: وصلتُ الفُسْطاط مرةً فجئت مجلس الشيخ أبي الفضل الجوهري, وحضرت كلامه على الناس فكان مما قال في أول مجلس جلستُ إليه: ( إن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق وظاهر وآلى فلما خرج تَبِعْتُه حتى بلغتُ معه إلى منزله في جماعة وجلس معنا في الدِّهْلِيز وعرَّفهم أمري فإنه رأى إشارةالغربة ولم يَعرف الشخص قبل ذلك في الواردين عليه فلما انفض عنه أكثرهم قال لي: أراك غريباً هل لك من كلام؟ قلت: نعم. قال لجلسائه أفرجوا له عن كلامه، فقاموا وبقيت وحدي معه، فقلت له: حضرتُ المجلس اليوم متبركاً بك -أي بالجلوس لك وأخذ العلم منك -وسمعتك تقول آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصدقت، وطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وصدقت، وقلتَ: وظاهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهذا لم يكن ولا يصح أن يكون؛ لأن الظهار منكر من القول وزور، وذلك لايجوز أن يقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- فضمني إلى نفسه وقَبَلَ رأسي وقال لي: أنا تائبٌ من ذلك جزاك الله عني من معلمٍ خيراً !!. ثم انقلبت عنه وبكَّرت إلى مجلسه في اليوم الثاني فألفيته قد سبقني إلى الجامع وجلس على المنبر فلما دخلتُ من باب الجامع ورآني نادى بأعلى صوته: مرحباً بمعلمي! أفسحوا لمعلمي!!, فتطاولت الأعناق إليَّ وحدقت الأبصار نحوي-وتعرفني يا أبابكر، يشير إلى عظيم حيائه فإنه كان إذا سلَّم عليه أحد أو فاجأه خجل لعظيم حيائه واحمر حتى إن وجهه طلي بجلَّنارٍ-وهو: زهر الرمان-قال: وتبادر الناس إليَّ يرفعونني على الأيدي ويتدافعونني حتى بلغت المنبر -وأنا لعظيم الحياء لاأعرف في أي بقعة أنا من الأرض والجامع غاصٌ بأهله وأسال الحياء بدني عرقاً- وأقبل الشيخ على الخلق فقال لهم: أنا معلمكم وهذا معلمي!, لمَّا كان بالأمس قلت لكم آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطلق وظاهر فما أحدٌ منكم فَقُهَ عني ولا ردَّ عليَّ فاتبعني إلى منزلي وقال لي: كذا وكذا, -وأعاد ما جرى بيني وبينه- وأنا تائب عن قولي بالأمس راجعٌ عنه إلى الحق فمن سمعه ممن حضر فلا يعوِّل عليه ومن غاب، فليبلغه من حضر فجزاه الله خيراً، وجعل يحفل في الدعاء والخلق يؤَمنون.قال ابن العربي معلقاً: فانظروا رحمكم الله إلى هذا الدين المتين والاعتراف بالعلم لأهله على رؤوس الملإ من رجلٍ ظهرت رياسته واشتهرت نفاسته لغريبٍ مجهول العين لا يعرف مَنْ؟ ولا مِنْ أين؟ فاقتدوا به ترشدوا!!اهـ.
وبعد:
جاء عن السلف أن النصيحة للحكام تكون بالطرق الشرعية من غير أن يصاحبها تشهير أو يصاحبها استنفار لعقول الناس السذج والدهماء ، والنصيحة تكون سراً بين الناصح وبين ولي الأمر، إما بالمشافهة، وإما بالكتابة له، وإما أن يتصل به ويبين له هذه الأمور، ويكون ذلك بالرفق والأدب المطلوب.
والأدلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكلام أهل العلم كثيرة، منها:
جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما:من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإن من فارق الجماعة شبراً فمات؛ فميتةٌ جاهلية) متفق عليه.
وجاء في حديث أسيد بن حضير - رضي الله عنه :(إنكم ستلقون بعدي أثَرةً ؛ فاصبروا حتى تلقوني على الحوض). متفق عليه.
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان:
فهذه النصوص تدل على منع القيام عليه ، ولو كان مرتكباً لما لا يجوز ، إلا إذا ارتكب الكفر الصريح الذي قام البرهان الشرعي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أنه كفر بواح ، أي : ظاهر بادٍ لا لبس فيه .
وقد دعا المأمون والمعتصم والواثق إلى بدعة القول بخلق القرآن، وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل والضرب والحبس وأنواع الإهانة، ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك، ودام الأمر بضع عشرة سنة حتى ولي المتوكل الخلافة، فأبطل المحنة ، وأمر بإظهار السنة ."اهـ
وجاء في قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر:
( الثالثة ) أنَّ مُخالَفةَ وليِّ الأمْرِ، وعَدمَ الانقيادِ له عندهم فضيلةٌ ، وبعضهم يجعلهُ دينا. فخالفهم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأمَرهم بالصَّبْرِ على جَوْرِ الوُلاةِ والسَّمعِ والطَّاعة والنّصيحةِ لَهُمْ، وَغَلَّظ في ذلك وأبدى وأعادَ. وهذه الثلاثُ هي التي وَرَدَ فيها ما في الصَّحيح صلى الله عليه وسلم: « يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تُشْرِكوا به شَيْئا، وأنْ تَعْتَصِموا بِحَبل الله جَميْعا، وأن تُناصِحوا مَنْ وَلاَهُ الله أمرَكُم » . وروى البُخاريُّ عن ابنِ عبَّاس عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « مَن كَرِهَ مِنْ أميرِه شَيْئا، فلْيَصْبِرْ، فإِنه مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلطانِ شِبْرًا، ماتَ مِيْتةً جاهِلِيةً » وَرَوى أَيْضًا عن جُنادةَ بنِ أبي أُميَّة، قال: دَخَلنا على عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ وهو مريضٌ، فَقُلْنا: أصلَحَكَ الله، حَدِّثْ بِحَديثٍ يَنْفَعُكَ الله بِهِ سَمِعْتهُ مِن النبي صلى الله عليه وسلم، قالَ: « دَعانا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبايَعَنا، فكان فيما أخَذَ عَلَينا: أنْ بايَعَنا على السَّمْعِ والطَّاعَة في مَنْشَطِنا وَمَكْرَهِنا وعُسْرِنا وَيُسْرِنا وأثَرَةٍ علينا، وأنْ لا نُنازعَ الأمرَ أهلَهُ، إلا أن تَرَوْا كُفْرًا بَواحًا عندكم من الله فيه برهانٌ » . والأحاديثُ الصحيحةُ في هذا البابِ كثيرة، ولم يقعْ خَلَلٌ في دِين النَّاسِ أو دُنياهُم إلاَّ من الإِخلال بِهذِه الوَصِيَّةِ." اهـ
الشاهد من هذه النقول أنها كلها تأمر بالصبر: وهو كما قال ابن القيم رحمه الله: حبس النفس عن التسخط بالمقدور وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الثياب ونتف الشعر، رغم حدوث مثيل ماذكرته من التعسف في استخدام القانون ومنع المواطن من استخراج الوثائق باللحى أو الخمار، إن لم يكن أكثر من ذلك، فانظر وفقك الله إلى قول الشنقيطي رحمه الله: وقد دعا المأمون والمعتصم والواثق إلى بدعة القول بخلق القرآن، وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل والضرب والحبس وأنواع الإهانة، أليس هذا أعظم مما هو واقع اليوم، دعوا إلى الكفر والعياذ بالله وليس إلى معصية يعتقدون حلها لما شبه عليهم علماء السوء، أو قل: يعتقدون سعة الاختلاف فيها بين موجب ومستحب.
وانظر وفقك الله إلى حديث أبي عبادة، فيه: أن الطاعة تكون حتى في المكره، وهو:ما أكره عليه غير مختار له، والعسر، وهو:المشقة والحرج والشدة، وأثرة علينا، يعني مايستأثرونه من حقوق الرعية لأنفسهم، كل هذا يكون، ومع ذلك يأمرهم بالصبر والسمع والطاعة لاغير.
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - شرح رياض الصالحين :
لكن موقفنا نحو الإمام أو نحو الوالي الذي لم يعدل أو ليس بعادل : أن نصبر ؛ نصبر على ظلمه وعلى جوره وعلى استئثاره » اهـ
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية:
الخروج على الولاة والأئمة له أسباب، منها : رُؤْيَةِ المرء ما يكره: في نفسه أو في بلده أو في مجتمعه بعامة، ما يكرَهُهُ ديناً أو ما يكرَهُهُ دُنْيَاً.
وهذا السّبب في رؤية المرء ما يكرهه قد يكون معه عدم صبر فيُؤَدِيهِ إلى الانتصار مُتَأوّلَاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون آخذاً بالخروج أو خارجاً فعلاً.
وهذه المسألة وهي مسألة رؤية ما يكره المرء في الدين أو في الدنيا أعْظَمُهَا ما حَصَلَ في عهد الإمام أحمد رضي الله عنه حيث رأى ورأى أئمة الحديث ما يكرهون في أعظم مسألة وهي مسألة خلق القرآن؛ حيث دُعِيَ الناس إلى القول بخلق القرآن الذي هو الكفر، وأُلْزِمُوا بذلك حتى وقع بعض الأئمة الكبار في الإجابة خشيَةً من بعض مسائل الدنيا.
والإمام أحمد لما قيل له بالخروج نفض يديه وقال: إياكم والدماء، وأَخَذَ بقول النبي صلى الله عليه وسلم «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر».اهـ
بارك الله فيك، فتنة كانت عظيمة، أمراء وملوك يقتلون ويمتحنون ليس العامة فقط، بل كبار الأئمة وشيوخ الحديث وحفاظ الأمة في زمن لو تكلم عالم واحد لوجد معه خلق كثير خلفه يؤيدونه وينصرونه، ومع ذلك الإمام أحمد الوقاف عند النصوص نص واحد أخذ به وما تكلم في أمير بما يشبه التحريض عليه، بل جاءت النقول عنه أنه قال: كل الناس في حل مني حتى الأمراء ماعدا أهل البدع.
وأما فيما يخص رؤساء الدوائر، اعلم وفقك الله، هم فعلوا مثل هذه الأفاعيل لأسباب عديدة، منها: اعتقاد الكثير منهم أن هذا هو القانون الذي يجب تطبيقه، وأنهم معترفون بشرعية اللحية والخمار، لكن يخافون بزعمهم عدم تطبيق هذا القانون، كما صرح لنا بعضهم من خلال مجالستنا إياه، وهذا ماأدى ببعضهم إلى تطبيق ذلك، والبعض الآخر لم يطبقه،وذلك نتيجة لاختلاف مراتبهم في معرفة القانون والاطلاع على المستجدات الموجودة في الساحة، فبعضهم يكتفي بسماع خبر واحد من أعلى الهيئة الرسمية ليكون ساري المفعول عنده مدة وجوده على هرم رئاسة الدائرة، كما جرى عندنا لرئيس دائرتنا، والبعض الآخر له علم بكل صغيرة وكبيرة، كما هو حال الدوائر الأخرى.
وأما كونهم يزرعون بذور الفتنة وداء الجهاوية وجمرة الظلم، وأنه يقبح السكوت عن بعض المنغصات والمساوئ التي تصدر من بعض المسئولين.
اعلم وفقك الله أنه لايلزم من كون وجود مثل هذه الأشياء إيجاد طريقة للتغيير وإنكار المنكر، لأنه كما هو متقرر عند الأئمة أن الخطأ يعالج بالأدلة وفق منهج السلف.
وأيضا كونهم يزرعون بذور الفتنة وجمرة الظلم، كلام صحيح، لكن أين تنبت هذه البذور؟ فهل رأيت يوما شخصا سلفيا متمسكا بالكتاب والسنة كان بذرة للفتنة؟ أم أن هذه تأتي ممن هو بعيد عن منهج السلف؟ إن كان من الأول لم نر ذلك، وخير شاهد على هذا المظاهرات الأخيرة، وإن كان من الثاني، فخير له تعليمه المنهج السلفي وتربيته عليه ليكون مثل الأول يدفع الفتنة دفعا.
وأما قولك وفقك الله لمرضاته: فأهل الحديث يقولون: دفع الفتن والقلاقل عن ساحة الأمة أيسر من رفعها بعد وقوعها." كلام حق، ولكن من سيدفع الفتن قبل وقوعها؟ فمن خلال إلقاء نظرة على تاريخ الأمة القديم والحديث نجد أن الواقعين في الفتن هم ممن لم يعرف الأصول السلفية معرفة حقيقية، أو من قل تمسكه بها، ولهذا كان العلم والتعليم للمنهج السلفي الحق هو أهم المهمات وأولى الأولويات لتجنب الفتن، ومنها في هذا الباب، وهو كيفية التعامل مع ولاة الأمور وطريقة تبليغ الشرع لهم لتجنيبهم ماسيقع لهم.
واعلم وفقك الله أن الكثير من الشباب يحمل في قلبه غلا وحقدا كبيرين على ولاة الأمور- والواقع شاهد بذلك- وهم في كل لحظة ينتظرون الضوء الأخضر يعطى لهم ليخرجوا مافي قلوبهم ويشفوا غليل صدورهم، ويرون أنه لافرصة لهم بذلك إلا بإلباس مايريدونه اللباس الشرعي، ولذا تجدهم يبحثون عن فتوى شيخ أو عالم تبيح لهم ذلك، بل هم مستعدون لمغالطة الشيخ من أجل الظفر بما يهوون، كما جرى ذلك مع سماحة الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله الذي بقي كالجبل في مناظرة أولئك القوم.
وأما ماكان من كلام بعض الأئمة مما يشبه الخروج على الأئمة بالقول فليس هو من ذا الباب:
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية:
أما الصورة الثالثة التي أدخلها بعض أهل العلم فيها وهي الخروج بالقول؛ لأنَّ ولي الأمر يكون الخروج عليه بالقول، فهذه لا تَنْضَبِطْ؛ لأنَّ الخروج بالقول قد يكون خروجاً وقد لا يكون خروجاً، يعني أنه قد يقول كلاماً يؤدي إلى الخروج فيكون سعياً في الخروج، وقد يقول كلاماً هو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يوصِلُ إلى الخروج ولا يُحْدِثُ فتنة في الناس، وهذا لا يدخل فيه." اهـ
يعني: وقد يقول كلاماً هو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يوصِلُ إلى الخروج ولا يُحْدِثُ فتنة في الناس، وهذا لا يدخل فيه، يعني هو من جنس كلام عام في تقرير الحق الذي لولي الأمر وما يجب عليه فعله من دون أن يكون هناك ذكر لما سيؤول إليه الأمر في حالة عدم الالتزام به، وكذا شريطة أن لايحدث فتنة في الناس، ولا يكون مبررا لضعفاء الناس للخروج، ومن أمثلة ماجاء عن الأئمة في ذلك:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
ومنها ما يفعل المسلمون فيه الأصلح كالتي في الصعيد وأرض الشام مما كان قديما على ما بيناه ، فالواجب على ولي الأمر فعل ما أمر الله به وما هو أصلح للمسلمين من إعزاز دين الله وقمع أعدائه وإتمام ما فعله الصحابة من إلزامهم بالشروط عليهم ومنعهم من الولايات في جميع أرض الإسلام ، ولا يلتفت في ذلك إلى مرجف أو مخذل" اهـ
قال شارح الطحاوية: " والواجب على ولي الأمر وكل قادر أن يسعى في إزالة هؤلاء المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى والقرع والقالات ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات أو يدخلوا على الناس في منازلهم لذلك" اهـ
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: فإني أوصي إخواني المسلمين في كل مكان حكومات وشعوباً بتقوى الله سبحانه في جميع الأمور، ولا يخفى على ذوي الألباب أن في تحكيم الشريعة صلاح أمر الدنيا والآخرة، كما أن فيه جمع الكلمة على الحق، والقضاء على الفساد. ومن أهم التقوى التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، واتحاد العلماء واجتماع كلمتهم على الحق، وإرشادهم العامة إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك" اهـ ملخصا
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في التفسير:
أما لو أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة، لأن رب ولي الأمر ورب الرعية واحد عزّ وجل، فكلهم يجب أن يخضعوا له عزّ وجل، فإذا أمرنا بمعصية الله قلنا: لا سمع ولا طاعة.
وقال رحمه الله في الوصايا العشر:
ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من طاعة ولي الأمر في معصية الله منع من أن يطاع أحد من الخلق في معصية الله. فقال عليه الصلاة والسلام " إنما الطاعة في المعروف" . فقد أرسل سرية وأمر عليهم رجلاً وقال لهم: أطيعوا أميركم فغضب عليهم الأمير ذات يوم وقال : اجمعوا لي حطباً فجمعوا حطباً ثم قال : أوقدوها النار فأوقدوها النار ثم قال : ادخلوا فيها . طاعتهم في جمع الحطب صحيحة، وطاعتهم في إضرام النار صحيحة. لكن لما قال : ادخلوها توقفوا وقالوا : كيف ندخل في النار ونحن لم نؤمن إلا فراراً من النار فامتنعوا ولم يدخلوها فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر قال: " إنهم لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف "اهـ
وقال أيضا رحمه الله في كتاب الحج:
وفي حديث بناء الكعبة من الفوائد غير ما تقدم ما ترجم عليه المصنف في العلم وهو ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر عنه فهم بعض الناس والمراد بالاختيار في عبارته المستحب وفيه اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة وأنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة" اهـ
فانظر رعاك الله إلى كلام الأئمة تجاه ولي الأمر أمام العامة وطلبة العلم، فهو كلام فيه توضيح لواجباتهم بدون التعرض لشيء مما يفعلونه ومن دون تخصيص لحاكم معين، مما قد يوهم التحريض والخروج عليهم.
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله بعد ذكره التفصيل السابق في مسألة الخروج بالقول:
والذي يظهر في هذه المسألة ويتعيّن الأخذ به أن يُعمَلْ بِمُطْلَقَاتْ الأدلة؛ لأنَّ المسائل إذا اشتبهت وجَبَ الرجوع - خاصة في مسائل العقيدة- وجب الرجوع إلى ظاهر الدليل، ولا يَسُوغْ لأحد مخالفة ظاهر الدليل فيما أجمع العلماء على جَعْلِهِ عقيدة، وهي مسألة الخروج على الولاة وطاعة ولاة الأمر." اهـ
والذي تدل عليه ظواهر النصوص في هذه المسألة بلا شك ولا ريب: أن المناصحة تكون سرا.
وأما ذكر ذلك ليصل إلى الرؤساء، فقد جاء في النصوص أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان صحابته رضي الله عنهم يبلغونه الأمر مباشرة بدون أن يذكروه على الملأ، أو حتى فيما بينهم.
قال في إعانة المستفيد عند ذكر حديث المنافقين:
"قال: يا رسول الله، إنما كنّا نخوض ونتحدّث حديثَ الرَّكْب، نقطع به عناء الطّريق. قال ابن عمر: كأنّي أنظرُ إليه متعلِّقاً بِنِسْعَة ناقة النّبي صلى الله عليه وسلم" النِّسْعَة هي الحبل الذي يُشَدُّ به الرحل.
وهو يقول: يا رسول الله، إنّما كنا نخوض ونلعب" فالرسول صلى الله عليه وسلم يرُدُّ عليه بقوله تعالى: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.
الفائدة الخامسة: أنّ إبلاغ وليّ الأمر عن مقالات المفسدين من المنافقين ودُعاة السوء الذين يريدون تفريق الكلمة والتحريش بين المسلمين من أجل الحَزْم يُعَدُّ من النصيحة الواجبة، وليس هو من النّميمة، لأنّ عوف بن مالك رضي الله عنه فعل ذلك ولم يُنكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فدلّ على أنّ هذا من النّصيحة، وليس من النّميمة المذمومة." اهـ
انظر بارك الله فيك، كيف جعل هذا نصيحة، ومعلوم أن النصيحة كما جاءت بها النصوص لاتكون علنا.
وفي الأخير أذكر هذه القصة عن الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة رحمه الله:
أخرج الخلال في السنة عن أبي الحارث: سألت أبا عبد الله في أمر حدث في بغداد، وهمَّ قوم بالخروج – أي على الحاكم -؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: "سبحان الله الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يُسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه - يعني أيام الفتنة–
قلت: والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: "وإن كان فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمَّت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به"اهـ
والله الموفق.
منقول من منتديات أهل الحماقة و الكذب السفهية
المسماة زوراً بمنتديات أهل الحديث السلفية
وأعني بهذا الصنف عبد الحميد العربي المريض ومن كان على شاكلته وفجوره وبغيه على علماء أهل السنة وإلا في ذلك المنتدى إخوة أفاضل من خيرة طلاب العلم النجباء ونسأل الله أن يبصرهم بحال هذا المريض المغرور :
عبد الحميد أحمد العربي [ مصطفى أحمد البحري ] أبي الوجهين الجزائري .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق