الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين وٱله وأصحابه والتابعين، أما بعد:
فقد آلم الفؤاد ما حدث اليوم من قطع العلاقات وتفاقم الأزمة، وقد بدا لي أن أكتب بعض النقاط مما يجدر بيانه، ويحتاج إليه في مثل هذه الأوقات والله المستعان.
١- أن الإبتلاء خير للمؤمن، قال عليه الصلاة والسلام: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له". فما يأتي على المؤمن من خير أو شر فهو له خير، فهو في السراء والخير يشكر الله ويطيعه، وهو في الضراء يصبر على ما قضى ويحتسب الثواب ويؤمل الفرج، وقال تعالى:(وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، وقال تعالى: (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا).
فالحاصل أن ما يقع للمؤمن من الأقدار المؤلمة والأمور المكدرة هو خير له.
٢- ينبغي على المسلم في زمن الفتن أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، ويحذر الخروج عنهم، ويحذر أسباب الفرقة وموجباتها.
قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وقال عليه الصلاة والسلام لحذيفة رضي الله عنه لما سأله في الفتن وما يفعل إن أدركها قال صلى الله عليه وسلم: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم".
ومقتضى ذلك لزوم السمع والطاعة لمن ولّاه الأمر في هذا البلد بالمعروف، وجمع كلمة الناس عليه، والحذر من شق العصا وتفريق الكلمة.
٣- مما ينبغي أن يحرص عليه المسلم، الدعاء لولي الأمر بالتسديد والتوفيق للحق، قال الإمام البربهاري رحمه الله: وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله، يقول فضيل بن عياض: *لو كان لي دعوة مستجابة ما جعلتها الا في السلطان*. قيل له يا أبا علي فسر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد، فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا؛ لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين.
٤- رد الأمور إلى أهلها، وعدم التقدم بين يدي ولاة الأمور وأهل الشأن فيما يختص بهم، قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، وقال عليه الصلاة والسلام: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
فالواجب أن ينشغل المرء بشأنه، وأن يترك السياسيات والتحليلات لأهلها، وأن لا يكون وقود فتنة وفرقة، ولا يسيء إلى بلده وقومه بكلامه.
٥- ليحذر المسلم من بث الشائعات، وتسويق الأكاذيب، وقد قال عليه الصلاة السلام: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"، فلا يقول إلا صدقًا، ولا ينقل إلا حقًا إن رأى الحاجة لبثه ونشره، قال عليه الصلاة والسلام: "وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا"، والأحاديث كثيرة في ذم الكذب والكذابين.
وحري بالمؤمن أن يقول القول الحسن، مما يجمع الكلمة ويؤمن الناس، لا أن يبث الفتن والقلاقل والمخاوف.
٦- قال عليه الصلاة والسلام: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم"، فعمل الشيطان التحريش وإثارة العداوة والبغضاء بين المؤمنين، وبث الفرقة والاختلاف وفي قصة يوسف قال عليه السلام: وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي", فالإفساد بين المؤمنين والإخوة من عمل الشيطان وأهل النفاق.
وجدير بالمؤمن أن يكون مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، فلا يزيد النار إشتعالًا، ولا يخوض مع السفهاء، وإن اعتدى عليه معتد كظم غيظه، وقال: "سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين".
ومن ذلك أن يجتنب اللعن والسب والطعن في الأنساب والأعراض، والاستهزاء والسخرية وغير ذلك من مساوئ الأخلاق، وعليه أن يحفظ الإخوة الإيمانية، ويتخلى بالأخلاق الفاضلة الحسنة، وهذا ما عُهد على أهل قطر حفظهم الله.
٧- مما ينبغي التنبيه عليه لعموم المسلمين، الحرص على استغلال الأوقات بالصالحات، فنحن في شهر عظيم، وزمن فضيل، تغفر في السيئات، وتضاعف الحسنات، وكثير من الناس انصرفوا عن استغلاله فيما يعود عليهم بالنفع في دنياهم وأخراهم، وشغلوه بمتابعة السياسات وتحليها، أو بغير ذلك مما لا فائدة فيه، ولو أصلحنا ما بيننا وبين الله أصلح الله ما بيننا وبين الناس، وكما قدمتُ أن هذه الأمور لا شأن لهم فيها، وإنما لها أهلها الذين يحلون فيها ويعقدون.
٨- وهذا الوجه متمم لما قبله، وهو أن يحرص المرء على التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، وكان الحسن البصري يقول: "إنَّ الحجاج عذابُ الله فلا تدفعوا عذابَ الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإنَّ الله تعالى يقول: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون)، فما يحصل من فتن وبلايا ترفع بالتوبة والإنابة.
*وأخيرًا* هذه معاقد جرى بها القلم، أسأل أن يكتب بها النفع، والحقيقة لا يفرح بالفرقة والخلاف إلا أهل الجهل والحماقة، فإن الفرقة ضعف وفساد، والاجتماع قوة وعزة، أسأل الله أن يوفق ولي أمرنا الشيخ تميم بن حمد لما فيه خير الإسلام والمسلمين، وأن يرزقه السداد والتوفيق، وأن يجمع كلمة المسلمين حكاما ومحكومين على الحق والهدى، إنه سميع مجيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق