بسم الله الرحمن الرحيم
[ التعقيب على من زعم بأن المسلم يسأل في قبره عن تبديع المعين ]
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فلقد أحدث بعض الناس في السنوات الأخيرة قولاً ما أنزل الله به من سلطان، وهو قول بعضهم : ( إن لم تبدع فلاناً بعينه وإلا فأنت مخذل أو مميع أو غير واضح، بل بالغ بعضهم فقال : سيسألك الله تعالى في قبرك عن ذلك ) !!! سبحان الله!
أما القول بأن الله سيحاسبك في قبرك إن لم تبدع فلاناً بعينه فهذا - حسب علمي القاصر - ليس له أصلٌ في الكتاب ولا في السنة ولم يؤثر عن أحد من سلف الأمة، ولم يقل به أحد قط من أئمة المسلمين لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ولا من المعاصرين، إلى قبيل سنوات قليلة أحدثه بعض الناس لما نشب بينه وبين بعض المشايخ وطلبة العلم بعض الخلافات والنزاعات، فشد بعضهم على بعض وحَمَلَ بعضهم على بعض، فتطور الأمر حتى بدّع بعضهم بعضاً، وحاول كل طرف منهم أن يجمع أكبر قدر ممكن من طلبة العلم إلى جانبه ليكونوا ضد من خالفه، ثم تطور الأمر أكثر من ذلك وأبعد، فمن نأى بنفسه عن خلافاتهم جروه إلى خلافاتهم جراً، فلم يرضوا بعدم تدخله بما لا يعنيه .
ولقد أكثر بعض الناس عليّ وعلى غيري، فقلت : إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فمن أخطأ رددت على خطئه، وحذرت من خطئه ليكون ذلك الرد صالحاً له ولغيره، بل حتى لو تاب أو تراجع عن قوله يبقى الرد نافعاً يستفاد منه ولو بعد حين ، وإذا لزم ذكر اسمه ذكرت اسمه، ونلتزم العدل والأدب في الرد ونتجنب الظلم والغلظة، وليس من ضرورة أن أبدعه وأعيّنه بلقب (مبتدع) .
لم يعجب بعض الناس هذا الموقف لأنهم يعتبرون من لم يبدع من بدعوه متساهلاً أو مميعاً أو مذبذباً أو غير واضح، بل ربما توقفوا في سنيته ثم حذروا منه ثم بدعوه إلحاقاً بالأول، ثم عقدوا عقيدة الولاء والبراء في حق من لم يسايرهم في طريقتهم التي يحسبون أنها المثلى!!
وهذا يظهر جلياً وبصورة أكبر في بلاد الغرب بلاد العجم في أوروبا وأمريكا، حتى بلغ الأمر فيهم أنهم يسعون في الأرض فساداً فيقطعون الأرحام ويفرقون بين الأزواج وزوجاتهم والآباء وأولادهم والإخوة وإخوانهم، وهم مع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!!!
ومن خلال مراسلاتي مع بعض الإخوة عن طريق الرسائل الهاتفية حاول إلزامي بتبديع فلان بن فلان!!
فقلت له : لا يجب عليّ شرعاً أن أقول فلان بن فلان ( مبتدع )، ولن يسألني الله عز وجل في قبري لماذا لمْ أبدعه.
فأرسل لي مقطعاً صوتياً وقد فرغ بحروفه خطياً منقولاً من موقع ( سحاب ) الإكتروني للشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي شافاه الله من كل سقم، وهذا نصه بحروفه :
http://bit.ly/ZzRMlE
أحسن الله إليكم شيخنا,,, وهذا سائل يقول: ما رَأْيكم -حَفظكم الله- فيمن يَقول: "أنا أضْمَن لك أنّك لنْ تُسْأل فِي قبْرك عنْ تَبْديع فُلان أو فلان، وإنّما تُسْأل عنْ دِينك ونبيّك وربّك"؟ فأجاب : الْحَمد لله.. هذا فيه تألٍ على الله يُخْشى على صَاحبه ، فأنْت تَقول له صَحيح تسأل عنْ ربّك ودينك ونبيك هذه الثلاثة سُؤالات. ومن ضِمْن السؤال عنْ نبيّك يَدخل ويَأتِي هذا الْجَانب ((وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي)) فدُعاة البِدْعة دُعاة ضَلالة يَحْرفونَك عنْ طريق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فتُسْأل حِينَئذٍ فَتقول: "يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا" فَهذا الذي قَال هَذه الْمَقالة ما أظنّه نَظر فِي كِتاب الله وفِي تَفسيْره نَظرة اسْتفادة، أوْ أنّه نَظر لكنّه غَلبَه إمّا هَواه أوْ حُبّ الشّهوة أوْ حُب الرياسَة أو الْهَوى للانْتصار لفُلان أو فلان -الله أعلم- بِصاحب هَذه الْمَقالة وبِمَا فِي قَلبه.
الشاهِد أنْتم الآن سَمِعتُم. ((وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ، فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ ، فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِين)) . فالسّؤال ماذا أجَبْتم الْمُرسَليْن؟ إنْ كَان متّبِعًا لِهَذا النّبي قال: رسول الله آمنّا بِه وصَدّقناه واتّبَعناه، وإنْ كان غيْر ذلك قَال: ها ها لا أدري، ويَوم القِيامة يَقول: ((يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وكان الشيطان للإنسان خذولا)). وأنَا أخْشى أنَّ بَعض هَؤلاء النّاس يَغْلب عليْهِم الْهَوى للانْتِصار لفلان أو علان، فيَأتِي بِمِثل هَذه البَواقع التي تُنْسيه كتاب الله –تبارك وتعالى- وإنْ كَان يَحْفظه عَنْ ظَهْر قَلب لَكن تُنْسيه كتاب الله –تبارك وتعالى- والتّأمل والتدبُر فيْه . فنَحن نَسْأل الله العصمة من الزَل والسّلامة من الْخَطل فِي القول والعمل. هَذا قَولٌ بَاطل ولا ينْبغي أنْ يُلْتَفت إليْه وقائله يَجِب عليْه أنْ يَتقيَ الله –سبحانه وتعالى- فِي نَفسه ولا يتألّى على الله –تبارك وتعالى- اهـ. بَارك الله فيْكم شيْخنا,, انتهى كلامه.
أقول وبالله أستعين : أخي الكريم
أولاً : لم أقل ( أنا أضمن لك أنك لن تسأل في قبرك ) ، وإنما قلت لن يسألني الله في قبري عن تبديع فلان بعينه.
ثانياً : الشيخ محمد بن هادي حفظه الله تعالى ليس إماماً متبعاً لكي تستدل بكلامه عليّ، فكان الواجب عليك أن تستدل بالكتاب والسنة وآثار السلف وأقوال الأئمة من السلف والمتقدمين، وعلى الأقل من المعاصرين كالشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى، فنقلك عن الشيخ محمد بن هادي دليل على تعذر وجود ما يسعفك فيما ذهبت إليه بأن الله سيسألني في قبري عن تبديع فلان بعينه.
ثالثاً : أغْرَبَ الشيخ ابن هادي جداً لما قال : ( السؤال عن نبيك يدخل ويأتي هذا الجانب ) !!
وأنا أسأله وأسأل من استدل بكلامه سؤالين :
الأول : من سبقك بهذا القول؟
الثاني : ما وجه الاستدلال بهذا الحديث أنني سأسأل في قبري إن لم أبدع فلاناً أو فلاناً؟
ثالثاً : إنما الذي يُسأل عنه العبد في قبره ويوم القيامة، ويحاسبه الله عليه ويستحق عليه العقاب والعذاب أمران اثنان :
الأول : عما قال أو فعل مما نُهي كالنميمة أو عن عدم الاستبراء من البول.
الثاني : عما ترك مما أُمر به كالصلاة.
فإذا قال كلاماً محرماً أو فعل فعلاً محرماً قد نهى الله عنه ورسوله، أو ترك أمراً مما أمر الله تعالى به ورسوله فهذا الذي سيحاسب عليه.
فلو نظرنا إلى مسألة تبديع فلان بعينه وتسميته باسمه نجد أن من لم يبدعه لم يقل أو يفعل ما نُهي عنه ولم يترك ما أُمر به، فإذا كان لم يرتكب محظوراً ولم يترك مأموراً إذن على ماذا يحاسبه الله تعالى في قبره؟!
رابعاً : ذكر الشيخ محمد بن هادي قول الله تعالى ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا ❊ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا ❊ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا ﴾ [الفرقان : ٢٧-٢٩ ].
والسؤال : ما وجه الدلالة من الآية ؟ وهذا والله غريب جداً!!
هل إذا لم أبدع فلاناً بعينه وأسميه باسمه سيسألني الله تعالى عن ذلك في قبري وسأكون آثماً مستحقاً لدخول النار؟!
إن هذا لشيء عجاب !!
إن مما هو مقرر عند أهل العلم أن الحكم الشرعي لا بد له من ثلاثة أمور: الأول : الدليل. الثاني : ثبوت الدليل. الثالث : وجه الدلالة من الدليل. وما ضل من ضل إلا لعدم التحقق من هذه الثلاثة، إما لعدم وجود الدليل، أو لعدم صحته، أو لعدم دلالته على الحكم ولو كان الدليل آية من القرآن أو حديثاً صحيحاً.
خامساً : لو قيل - جدلاً - إن الله يسألني في قبري لماذا لم أبدع فلاناً بعينه فما حكم من اختلف العلماء بتبديعه فبدعه قوم ولم يبدعه آخرون؟
سادساً : لماذا جعلتم هذا الحكم في حق من اختلفتم معه وبدعتموه؟ لو كان كما تقول بأن الله سيسألني في قبري لماذا لم أبدع فلاناً بعينه لكان الحكم عاماً في كل مبتدع على وجه الأرض حياً كان أو ميتاً، ولا يجوز التخصيص من غير مخصص فيقصر الحكم على فلان دون غيره.
فإن قال قائل : يلزمك أن تبدع من بدعه العلماء بالبينة، وإلا كنت متبعاً لهواك مخالفاً للعلماء.
فأقول : إذا كان الأمر كما تقول فلماذا أتباع هذا القول كمحمد العنجري وأحمد السبيعي وفواز العوضي لا يكفرون بشاراً الأسد مع أن فريقاً من العلماء كفروه صراحةً؟، أم أن العلماء يحسنون أحكام التبديع ولا يحسنون أحكام التكفير؟
سابعاً : بل المذكورون ما سمعنا منهم كلمة في بشار الأسد ولا حتى بدعوه، فهل سيسألهم الله تعالى عن ذلك في قبورهم؟
ثامناً : قد لا يدرك الشيخ محمد بن هادي أو غيره أن مثل هذا التقرير ماذا يفعل بالمسلمين في الغرب ، فقد يبلغ الأمر إلى القطيعة والتدابر واحياناً التشابك والتضارب بالأيدي ، إلى أن تتدخل السلطان الغربية في وسط المسجد لفض النزاع وقد تبلغ الشكاوى إلى الشرطة ، والمحكمة، وقد بلغني أن بعضهم يُمنع من زوجته وأولاده ، بحجة أنه غير واضح لأنه لم يبدع فلاناً ، أو لأنه يحضر عند فلان ، أو لأنه يستمع لفلان . ولقد اشتكي لي غير واحد عن مثل هذه الوقائع المؤلمة .
تاسعاً : يُذكر أن عدداً كبيراً من الأجانب من الأوروبيين وغيرهم التحقوا بالخوارج (داعش والنصرة وغيرهم)، ويقدرون بعشرين بالمئة، فهذا يدل على مدى تأثر الأعاجم بكل دعوة، فهل يدرك الشيخ محمد بن هادي وغيره ما تفعل تقريراته في بلاد الغرب كقولهم من لم يبدع فلاناً فسيسأله الله في قبره؟
عاشراً : لقد بالغ الشيخ محمد بن هادي هداه الله فوصف من خالفه بهذه المسألة بأوصاف قاسية جداً من كونه (متألياً على الله، ويخشى عليه، وأنه ما نظر في كتاب الله كما يظن أو ما نظر نظرة استفادة، أو نظر لكن غلبه الهوى، أو حب الشهرة، أو حب الرياسة، أو الانتصار لفلان أو فلان أو الله أعلم به وبما في قلبه، وأنه أتى ببواقع أنسته كتاب الله وإن كان يحفظه عن ظهر قلب، وأن قوله باطل ولا يلتفت إليه ويجب عليه أن يتقي الله في نفسه ولا يتألى على الله تبارك وتعالى) .
أقول : الله أكبر! هل يستحق أن يقال كل هذا فيمن لم يوافقه في مسألة ليس لها دليل صحيح وصريح من كتاب أو سنة أو قول لأمام متبع ؟!
حادي عشر : من الملاحظ أن هذه الشدة على أهل السنة خاصة - بل حتى المبتدعة أنفسهم لا يلاقون من الشدة ما يلاقيه أهل السنة - فما السر في ذلك؟
ثاني عشر : لقد عاصر الشيخ العلامة الإمام عبدالعزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله تعالى - خلقاً كبيراً من أهل البدع المشاهير منهم، ولم يؤثر عنه أنه قال فلان مبتدع، ومن لم يبدعه فهو غير واضح أو يلحق به أو ليس سلفياً، فضلاً أن يقول سيسأل في قبره عن ذلك إن لم يبدعه.
ثالث عشر : جلست عند شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى سنوات، وحضرت له مئات المجالس، وسمعت له مئات المحاضرات والدروس والخطب فوالله ما سمعت منه قط قال عن رجل ينتسب إلى أهل السنة أنه مبتدع!!
فهل سيسأله الله تعالى في قبره أيضاً، أم أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مستثنى من ذلك؟
ثالث عشر : لماذا لا نستفتي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ونفعنا بعلمه عن حكم من قال من لم يبدع فلاناً بعينه فسيسأله الله في قبره عن عدم تبديعه لفلان؟
أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى الحق ويرزقنا اتباعه، وأن يألف بين قلوبنا ويقينا شر نفوسنا.
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه/ الشيخ السلفي
سالم بن سعد الطويل حفظه الله
ليلة الأحد ٢٤ ذي الحجة ١٤٣٥ الموافق ٢٠١٤/١٠/١٨
أما بعد، فلقد أحدث بعض الناس في السنوات الأخيرة قولاً ما أنزل الله به من سلطان، وهو قول بعضهم : ( إن لم تبدع فلاناً بعينه وإلا فأنت مخذل أو مميع أو غير واضح، بل بالغ بعضهم فقال : سيسألك الله تعالى في قبرك عن ذلك ) !!! سبحان الله!
أما القول بأن الله سيحاسبك في قبرك إن لم تبدع فلاناً بعينه فهذا - حسب علمي القاصر - ليس له أصلٌ في الكتاب ولا في السنة ولم يؤثر عن أحد من سلف الأمة، ولم يقل به أحد قط من أئمة المسلمين لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ولا من المعاصرين، إلى قبيل سنوات قليلة أحدثه بعض الناس لما نشب بينه وبين بعض المشايخ وطلبة العلم بعض الخلافات والنزاعات، فشد بعضهم على بعض وحَمَلَ بعضهم على بعض، فتطور الأمر حتى بدّع بعضهم بعضاً، وحاول كل طرف منهم أن يجمع أكبر قدر ممكن من طلبة العلم إلى جانبه ليكونوا ضد من خالفه، ثم تطور الأمر أكثر من ذلك وأبعد، فمن نأى بنفسه عن خلافاتهم جروه إلى خلافاتهم جراً، فلم يرضوا بعدم تدخله بما لا يعنيه .
ولقد أكثر بعض الناس عليّ وعلى غيري، فقلت : إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فمن أخطأ رددت على خطئه، وحذرت من خطئه ليكون ذلك الرد صالحاً له ولغيره، بل حتى لو تاب أو تراجع عن قوله يبقى الرد نافعاً يستفاد منه ولو بعد حين ، وإذا لزم ذكر اسمه ذكرت اسمه، ونلتزم العدل والأدب في الرد ونتجنب الظلم والغلظة، وليس من ضرورة أن أبدعه وأعيّنه بلقب (مبتدع) .
لم يعجب بعض الناس هذا الموقف لأنهم يعتبرون من لم يبدع من بدعوه متساهلاً أو مميعاً أو مذبذباً أو غير واضح، بل ربما توقفوا في سنيته ثم حذروا منه ثم بدعوه إلحاقاً بالأول، ثم عقدوا عقيدة الولاء والبراء في حق من لم يسايرهم في طريقتهم التي يحسبون أنها المثلى!!
وهذا يظهر جلياً وبصورة أكبر في بلاد الغرب بلاد العجم في أوروبا وأمريكا، حتى بلغ الأمر فيهم أنهم يسعون في الأرض فساداً فيقطعون الأرحام ويفرقون بين الأزواج وزوجاتهم والآباء وأولادهم والإخوة وإخوانهم، وهم مع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!!!
ومن خلال مراسلاتي مع بعض الإخوة عن طريق الرسائل الهاتفية حاول إلزامي بتبديع فلان بن فلان!!
فقلت له : لا يجب عليّ شرعاً أن أقول فلان بن فلان ( مبتدع )، ولن يسألني الله عز وجل في قبري لماذا لمْ أبدعه.
فأرسل لي مقطعاً صوتياً وقد فرغ بحروفه خطياً منقولاً من موقع ( سحاب ) الإكتروني للشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي شافاه الله من كل سقم، وهذا نصه بحروفه :
http://bit.ly/ZzRMlE
أحسن الله إليكم شيخنا,,, وهذا سائل يقول: ما رَأْيكم -حَفظكم الله- فيمن يَقول: "أنا أضْمَن لك أنّك لنْ تُسْأل فِي قبْرك عنْ تَبْديع فُلان أو فلان، وإنّما تُسْأل عنْ دِينك ونبيّك وربّك"؟ فأجاب : الْحَمد لله.. هذا فيه تألٍ على الله يُخْشى على صَاحبه ، فأنْت تَقول له صَحيح تسأل عنْ ربّك ودينك ونبيك هذه الثلاثة سُؤالات. ومن ضِمْن السؤال عنْ نبيّك يَدخل ويَأتِي هذا الْجَانب ((وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي)) فدُعاة البِدْعة دُعاة ضَلالة يَحْرفونَك عنْ طريق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فتُسْأل حِينَئذٍ فَتقول: "يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا" فَهذا الذي قَال هَذه الْمَقالة ما أظنّه نَظر فِي كِتاب الله وفِي تَفسيْره نَظرة اسْتفادة، أوْ أنّه نَظر لكنّه غَلبَه إمّا هَواه أوْ حُبّ الشّهوة أوْ حُب الرياسَة أو الْهَوى للانْتصار لفُلان أو فلان -الله أعلم- بِصاحب هَذه الْمَقالة وبِمَا فِي قَلبه.
الشاهِد أنْتم الآن سَمِعتُم. ((وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ، فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ ، فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِين)) . فالسّؤال ماذا أجَبْتم الْمُرسَليْن؟ إنْ كَان متّبِعًا لِهَذا النّبي قال: رسول الله آمنّا بِه وصَدّقناه واتّبَعناه، وإنْ كان غيْر ذلك قَال: ها ها لا أدري، ويَوم القِيامة يَقول: ((يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وكان الشيطان للإنسان خذولا)). وأنَا أخْشى أنَّ بَعض هَؤلاء النّاس يَغْلب عليْهِم الْهَوى للانْتِصار لفلان أو علان، فيَأتِي بِمِثل هَذه البَواقع التي تُنْسيه كتاب الله –تبارك وتعالى- وإنْ كَان يَحْفظه عَنْ ظَهْر قَلب لَكن تُنْسيه كتاب الله –تبارك وتعالى- والتّأمل والتدبُر فيْه . فنَحن نَسْأل الله العصمة من الزَل والسّلامة من الْخَطل فِي القول والعمل. هَذا قَولٌ بَاطل ولا ينْبغي أنْ يُلْتَفت إليْه وقائله يَجِب عليْه أنْ يَتقيَ الله –سبحانه وتعالى- فِي نَفسه ولا يتألّى على الله –تبارك وتعالى- اهـ. بَارك الله فيْكم شيْخنا,, انتهى كلامه.
أقول وبالله أستعين : أخي الكريم
أولاً : لم أقل ( أنا أضمن لك أنك لن تسأل في قبرك ) ، وإنما قلت لن يسألني الله في قبري عن تبديع فلان بعينه.
ثانياً : الشيخ محمد بن هادي حفظه الله تعالى ليس إماماً متبعاً لكي تستدل بكلامه عليّ، فكان الواجب عليك أن تستدل بالكتاب والسنة وآثار السلف وأقوال الأئمة من السلف والمتقدمين، وعلى الأقل من المعاصرين كالشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى، فنقلك عن الشيخ محمد بن هادي دليل على تعذر وجود ما يسعفك فيما ذهبت إليه بأن الله سيسألني في قبري عن تبديع فلان بعينه.
ثالثاً : أغْرَبَ الشيخ ابن هادي جداً لما قال : ( السؤال عن نبيك يدخل ويأتي هذا الجانب ) !!
وأنا أسأله وأسأل من استدل بكلامه سؤالين :
الأول : من سبقك بهذا القول؟
الثاني : ما وجه الاستدلال بهذا الحديث أنني سأسأل في قبري إن لم أبدع فلاناً أو فلاناً؟
ثالثاً : إنما الذي يُسأل عنه العبد في قبره ويوم القيامة، ويحاسبه الله عليه ويستحق عليه العقاب والعذاب أمران اثنان :
الأول : عما قال أو فعل مما نُهي كالنميمة أو عن عدم الاستبراء من البول.
الثاني : عما ترك مما أُمر به كالصلاة.
فإذا قال كلاماً محرماً أو فعل فعلاً محرماً قد نهى الله عنه ورسوله، أو ترك أمراً مما أمر الله تعالى به ورسوله فهذا الذي سيحاسب عليه.
فلو نظرنا إلى مسألة تبديع فلان بعينه وتسميته باسمه نجد أن من لم يبدعه لم يقل أو يفعل ما نُهي عنه ولم يترك ما أُمر به، فإذا كان لم يرتكب محظوراً ولم يترك مأموراً إذن على ماذا يحاسبه الله تعالى في قبره؟!
رابعاً : ذكر الشيخ محمد بن هادي قول الله تعالى ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا ❊ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا ❊ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا ﴾ [الفرقان : ٢٧-٢٩ ].
والسؤال : ما وجه الدلالة من الآية ؟ وهذا والله غريب جداً!!
هل إذا لم أبدع فلاناً بعينه وأسميه باسمه سيسألني الله تعالى عن ذلك في قبري وسأكون آثماً مستحقاً لدخول النار؟!
إن هذا لشيء عجاب !!
إن مما هو مقرر عند أهل العلم أن الحكم الشرعي لا بد له من ثلاثة أمور: الأول : الدليل. الثاني : ثبوت الدليل. الثالث : وجه الدلالة من الدليل. وما ضل من ضل إلا لعدم التحقق من هذه الثلاثة، إما لعدم وجود الدليل، أو لعدم صحته، أو لعدم دلالته على الحكم ولو كان الدليل آية من القرآن أو حديثاً صحيحاً.
خامساً : لو قيل - جدلاً - إن الله يسألني في قبري لماذا لم أبدع فلاناً بعينه فما حكم من اختلف العلماء بتبديعه فبدعه قوم ولم يبدعه آخرون؟
سادساً : لماذا جعلتم هذا الحكم في حق من اختلفتم معه وبدعتموه؟ لو كان كما تقول بأن الله سيسألني في قبري لماذا لم أبدع فلاناً بعينه لكان الحكم عاماً في كل مبتدع على وجه الأرض حياً كان أو ميتاً، ولا يجوز التخصيص من غير مخصص فيقصر الحكم على فلان دون غيره.
فإن قال قائل : يلزمك أن تبدع من بدعه العلماء بالبينة، وإلا كنت متبعاً لهواك مخالفاً للعلماء.
فأقول : إذا كان الأمر كما تقول فلماذا أتباع هذا القول كمحمد العنجري وأحمد السبيعي وفواز العوضي لا يكفرون بشاراً الأسد مع أن فريقاً من العلماء كفروه صراحةً؟، أم أن العلماء يحسنون أحكام التبديع ولا يحسنون أحكام التكفير؟
سابعاً : بل المذكورون ما سمعنا منهم كلمة في بشار الأسد ولا حتى بدعوه، فهل سيسألهم الله تعالى عن ذلك في قبورهم؟
ثامناً : قد لا يدرك الشيخ محمد بن هادي أو غيره أن مثل هذا التقرير ماذا يفعل بالمسلمين في الغرب ، فقد يبلغ الأمر إلى القطيعة والتدابر واحياناً التشابك والتضارب بالأيدي ، إلى أن تتدخل السلطان الغربية في وسط المسجد لفض النزاع وقد تبلغ الشكاوى إلى الشرطة ، والمحكمة، وقد بلغني أن بعضهم يُمنع من زوجته وأولاده ، بحجة أنه غير واضح لأنه لم يبدع فلاناً ، أو لأنه يحضر عند فلان ، أو لأنه يستمع لفلان . ولقد اشتكي لي غير واحد عن مثل هذه الوقائع المؤلمة .
تاسعاً : يُذكر أن عدداً كبيراً من الأجانب من الأوروبيين وغيرهم التحقوا بالخوارج (داعش والنصرة وغيرهم)، ويقدرون بعشرين بالمئة، فهذا يدل على مدى تأثر الأعاجم بكل دعوة، فهل يدرك الشيخ محمد بن هادي وغيره ما تفعل تقريراته في بلاد الغرب كقولهم من لم يبدع فلاناً فسيسأله الله في قبره؟
عاشراً : لقد بالغ الشيخ محمد بن هادي هداه الله فوصف من خالفه بهذه المسألة بأوصاف قاسية جداً من كونه (متألياً على الله، ويخشى عليه، وأنه ما نظر في كتاب الله كما يظن أو ما نظر نظرة استفادة، أو نظر لكن غلبه الهوى، أو حب الشهرة، أو حب الرياسة، أو الانتصار لفلان أو فلان أو الله أعلم به وبما في قلبه، وأنه أتى ببواقع أنسته كتاب الله وإن كان يحفظه عن ظهر قلب، وأن قوله باطل ولا يلتفت إليه ويجب عليه أن يتقي الله في نفسه ولا يتألى على الله تبارك وتعالى) .
أقول : الله أكبر! هل يستحق أن يقال كل هذا فيمن لم يوافقه في مسألة ليس لها دليل صحيح وصريح من كتاب أو سنة أو قول لأمام متبع ؟!
حادي عشر : من الملاحظ أن هذه الشدة على أهل السنة خاصة - بل حتى المبتدعة أنفسهم لا يلاقون من الشدة ما يلاقيه أهل السنة - فما السر في ذلك؟
ثاني عشر : لقد عاصر الشيخ العلامة الإمام عبدالعزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله تعالى - خلقاً كبيراً من أهل البدع المشاهير منهم، ولم يؤثر عنه أنه قال فلان مبتدع، ومن لم يبدعه فهو غير واضح أو يلحق به أو ليس سلفياً، فضلاً أن يقول سيسأل في قبره عن ذلك إن لم يبدعه.
ثالث عشر : جلست عند شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى سنوات، وحضرت له مئات المجالس، وسمعت له مئات المحاضرات والدروس والخطب فوالله ما سمعت منه قط قال عن رجل ينتسب إلى أهل السنة أنه مبتدع!!
فهل سيسأله الله تعالى في قبره أيضاً، أم أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مستثنى من ذلك؟
ثالث عشر : لماذا لا نستفتي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ونفعنا بعلمه عن حكم من قال من لم يبدع فلاناً بعينه فسيسأله الله في قبره عن عدم تبديعه لفلان؟
أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى الحق ويرزقنا اتباعه، وأن يألف بين قلوبنا ويقينا شر نفوسنا.
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه/ الشيخ السلفي
سالم بن سعد الطويل حفظه الله
ليلة الأحد ٢٤ ذي الحجة ١٤٣٥ الموافق ٢٠١٤/١٠/١٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.