روى البخاري (1) ومسلم (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود , وفيهم عبد الله بن أبي بن سلول [ وهو رأس المنافقين كما هو معلوم ] فسلَّم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن , فقال ابن أبيّ :" أيها المرء لا أحسن من هذا إن كان ما تقوله حقّا , فلا تؤذنا في مجالسنا , وارجع إلى رَحلك , فمن جاءك منا فاقصص عليه "
إذا تأملت كلمات رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ وجدتها منطبقة بدقة على العلمانية , فإن العلمانية لما كانت تعني فصل الدين عن الحياة جاءت كلمات هذا المنافق منسجمة معها تماما , وشارحة لها بوضوح .
فقوله لنبي الله صلى الله عليه وسلم : ( ارجع إلى رحلك ) أي منزلك (3)
وهذا عين ما قامت عليه العلمانية من حصر الدين داخل دور العبادة أو البيوت , بحيث لا يخرج نوره للدنيا , ليضيء ما فيها من ظلمات في أنحاء الحياة المتعددة , سواء في الجانب الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو غيرها .
أما قول هذا المنافق ( فمن جاءك منا فاقصص عليه ) فهو عين الحرية التي يتشدق بها دعاه العلمانية , فهو يقول : إذا رضيت هذا الحبس الضيق لدين الله وحصرته في بيتك فلك كامل الحرية في أن تُحدِّث به من جاءك , ليسمع منك , لكن ليس لك أن تجيئه أنت وتنشر دين الله الذي أمرك بإبلاغه للناس , فإن فعلت ذلك وخرجت من هذا النطاق الضيق (من رَحلك) إلى الحياة العامة ودعوت إلى الله فقد دخلت في نطاق (الجناية) بمفهوم المنافقين , حيث سيُعّد ذلك منك أذية تؤذي بها الناس .
وهذا معنى قول المنافق (فلا تؤذنا في مجالسنا) فجعلَ نشر دين الله للناس ودعوتهم إلى الله علانية نوعاً من أنواع الأذى , والأذى جناية يوقف لها بالمرصاد , وهذا المفهوم للأذى هو الذي يتجلى في تصرفات العلمانيين حين يَعدُّون دعوة الناس إلى الله تعالى جناية وجرما , ولو كان الداعي إلى الله يدعو بأسلوب شرعي متزن بعيد عن التهور , لأن الدين في المفهوم العلماني لا يصلح أن يظهر في الناس ويدعى إليه أصلا , سواء أكان الداعي يدعو على بصيرة أو على غير بصيرة
فسبحـــــــان الله . ما أعجب ما بين المنافقين القدامى والمعاصرين من الشَّبه , ولَيَهْن أهل العلمنة أن ينضم إليهم عدو لله بلغت عداوته لدين الله تعالى كل مبلغ .
فقاتل الله العلمانية , ما أعجب أمرها ! رؤوسها المعاصرون ملاحدة الغرب والشرق , وسلفها الطالح رأس المنافقين .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً , ووفقها للسلوك على طريق نبيها صلى الله عليه وسلم وصحبه والتابعين لهم بإحسان , وخلصها من كيد أهل النفاق , الظاهرين و الباطنين .
تنبيه : السلام على المجلس الذي يضم المسلم والكافر هو السنة , كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لكن يقصد المسلِّم بسلامه أهل الإسلام فقط , كما نقله ابن حجر عند شرحه للحديث عن النووي , وكما قرره هو عند شرحه للحديث , حيث ورد في كتاب التفسير من البخاري (4)
وكتبه الشيخ الدكتور
عبد الله بن عبد العزيز العنقري حفظه الله
أستاذ العقيدة المساعد بجامعة الملك سعود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق