بسم الله الرحمن الرحيم
[ العلاج الشرعي لوضع الأحزاب والجماعات ]
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد
فإن الناظر في تاريخ أشهر الجماعات والأحزاب الموجودة في بلاد المسلمين يدرك أنها نشأت في مرحلة كانت الأمة تعاني فيها مذلة الاحتلال الغادر المسمَّى بالاستعمار، أو أن تلك الجماعات نشأت في المرحلة التي تلت رحيل أولئك الأعداء المحتلين الذين لم يفارقوا بلاد المسلمين حتى ألحقوا بالأمة أكبر قَدر أمكنهم من الإفساد لدينها ودنياها.
ولا ريب أن نشأة الجماعات والأحزاب في تلك الحقبة كانت نشأة غير عادية، كما أن الوجهات التي ارتضاها رؤوس تلك الأحزاب والجماعات كانت شديدة التباين، غير أنه يمكن القول: إن جميع الأحزاب والجماعات يمكن أن تُقسَم إجمالا إلى فريقين اثنين:
الفريق الأول: من اصطُلح على تسميتهم بالجماعات الإسلامية، وهذه الجماعات لم تنشأ غالبها نشأة علمية مؤصَّلة على ضوء الكتاب والسنة وفَهم سلف الأمة، ولذا تصدَّر زعامة كثير منها من لم يكونوا من أهل العلم الشرعي، فلا عجب أن تظهر في منهج تلك الجماعات وممارساتها جملة من المخالفات التي ظل أهل العلم ينبهون عليها منذ أمد بعيد، وإلى وقتنا هذا.
الفريق الثاني: الأحزاب التي نشأت متمردة على حكم الشرع، نابذة له، مُعلنة سعيها إلى إزاحة سلطان الشرع عن الحياة، وقادة هذه الأحزاب هم الذين استمكنوا من حكم أكثر البلدان التي خرجت من مذلة الاحتلال الغربي، وقد تسببت هذه الأحزاب في عدد من نكبات الأمة، مما حفل به تاريخها المستبد، مع ما خلفته من انحطاط عام في جميع المجالات.
ويخطئ اليوم كثيرون ممن ينصرف ذهنهم عند سماع كلمة التحزب والجماعات إلى أولئك المتحزبين الذين غلب عليهم اسم "الإسلاميين"، لأن الواقع أن التحزب والتجمع كان من قِبَل جميع الأصناف الذين ذكرنا، فمنهم من سُمُّوا بالإسلاميين، ومنهم آخرون اختاروا الوجهة القومية وتحزبوا عليها، واختار آخرون وجهة التبعيّة الغربية وتحزبوا عليها، و ظل هذا الصنف محل الرعاية من قبل القوى الغربية على مدار العقود الماضية إلى يومنا هذا، وقابل هؤلاء آخرون آثروا أن تكون وجهتهم شرقية ففضلوا الاشتراكية في إبان عنفوانها، وتحزبوا عليها، ودعمهم الاتحاد السوفييتي قبل انهياره ويسَّر لهم السيطرة على حكم عدد من البلاد، فحكموها بالحديد والنار كما يقال، وكان من أشر هؤلاء :البعثيون الذين تحزبوا على هذا الاسم، بدعوى أن في حزبهم البائس ـ حزب البعث ـ بعثًا جديدًا لأمة ماتت! وقد يتلاقى المتحزبون فيما بينهم من بعض الجهات، فيكون الواحد منهم اشتراكيًا قوميًّا في الوقت نفسه، في صنوف من الضلال والضياع الذي نُشرفي هذه الأمة على نطاق واسع .
إذًا فالتحزب واقع ممن يسمون (بالإسلاميين) ومن غيرهم، ولذا فإن من أسخف ما تسمعه الأذن صوت أحد من المتحزبين على الوجهة القومية أو الاشتراكية أو الغربية ينتقد متحزبا إسلاميا ويصمه بالتقوقع على حزبيته وجماعته، وكأن أولئك المتَّهِمين بريئون من التحزب، حريصون على جماعة المسلمين! والواقع أنهم هم أشد الأصناف غلوًّا في حزبيتهم، ثم إن تحزبهم كان على أضل السبل وأفسدها، كما أشرنا إلى ذلك في المقالة السابقة التي نشرناها حول حزبية الليبراليين الـمَقِيتة.
وهذا الوضع المزري الذي بلغ بالأمة هذا الحد بحاجة مؤكدة إلى علاج شرعي، خاصة وأن أعداد المنضَوِين تحت لواء هذه الجماعات والأحزاب في الأمة كثرة كاثرة، لا يحل أن يُتركوا في تخبطهم يعمهون، ثم هم مع ذلك متفاوتون في المبدأ الذي تحزبوا عليه، وكذا في درجة الإيغال في هذا التحزب، كما أنهم متفاوتون في أمر بالغ الأهمية، وهو العلم بحكم الشرع في تحزبهم هذا، وكذا الاستعداد بعد العلم للتسليم لهذا الحكم، فهم قطعًا ليسوا سواءً، ولا يمكن أن يُجمَل فيهم الكلام بحكم واحد يعمهم ، مع كونهم بهذا التفاوت الذي ذكرنا.
وقد حدثني أحد إخواننا الشاميين الذين هبُّوا لتبني أفكار إحدى الجبهات الاشتراكية في عنفوان حماسه قبل نحو (50 سنة) أنه كان وزملاؤه يُعرَّفون بجانب محدد من فكر الجبهة العفن، ويُخفَى عنهم ما في فكر تلك الجبهة من الإلحاد والفساد العريض، وذكر صاحبنا هذا أنه في فترة انضمامه للجبهة المذكورة كان ملازمًا للصلاة وأحكام الشرع، لا يدري من الأساس أن الشرع يعارض هذا التيار الخبيث، ولم يتبين له ذلك إلا بعد سنين من عمره نبذ بعدها الفكر الاشتراكي وجبهة الفساد نبذ النواة. وهذا الصنف الجاهل من المنضوين تحت لواء هذه الأحزاب والجماعات هم عند علماء السُّنَّة من أحق الناس بالاستنقاذ من سوء السبيل الذي ركبوه.
وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرًا ما يذكر أنه بيَّن لعدد من جهال الطوائف الغالية حقيقة ما هم عليه من الباطل،ويذكر رحمه الله أن كثيرين منهم كانوا يستجيبون لدعوته لهم، بل ذكر أن عددًا منهم صار يسعى في استنقاذ من أمكنه استنقاذه من أصحابه الذين كانوا مع تلك الطوائف، وهذا مقام من الجهاد كبير، يحتاج إلى صبر وإخلاص،ويأتي التنويه إليه لاحقًا بحول الله.
وبناء على ما قدّمنا من التفاوت بين المنضوين لتلك الأحزاب والجماعات فإن على كل ذي سُنّة يسعى لاستنقاذهم مما هم فيه من التحزب أن يلاحظ عدداً من الاعتبارات التي راعاها علماء السلف قبلنا، وهي على جانب كبير من الأهمية، ولا ينبغي أبدًا أن تغيب عنا عند علاج هذا الموضوع الكبير.
وهذه الاعتبارات قد أوضحها الشاطبي حين ذكر أن ثمة بابًا من الفقه كبيرًا يتعلق بمن أحدثوا في الأمة ما لم يأذن به الله، وذلك بالقيام عليهم بما أوجب الله من الإنكار، غير أن هذا الإنكار هو بحسب ما يأتي:
- البدعة في نفسها من جهة كونها عظيمة المفسدة في الدين أم لا.
- وكون صاحبها مشتهرًا بها أوْ لا.
- وداعيًا إليها أوْ لا.
- ومُستظهِرًا بالأتباع ـ أي مستندًا إليهم ـ وخارجًا عن الناس أوْ لا.
- وكونه عاملا بها على جهة الجهل أوْ لا.
فهذه الاعتبارات التي راعاها سلف الأمة السابقون ـ حين وقع الإحداث والابتداع في زمنهم ـ هي مما ينبغي أن نراعيه عند علاجنا لأمر هذه الأحزاب والجماعات، لأنها لا تخرج عن نطاق الإحداث لما لم يأذن به الله.
فإن قيل: إن الأحزاب والجماعات المعروفة اليوم يوجد بينها تفاوت كبير، قيل: فإن السلف قد خرج في زمنهم فِرَق تفاوت فَرْقُ ما بينها في درجة الضلال، ومع ذلك راعوا هذه الاعتبارات التي ذكرنا أتم المراعاة.
ثم إن السلف وعلماء الأمة قد بنوا على الاعتبارات التي ذكرنا تفصيل طريقة التعامل مع هؤلاء المخالفين، فقد تعاملوا معهم من خلال خمس عشرة طريقة، بدؤوها بالأيسر، ثم تدرجوا معهم، بحسب استجابتهم للحق من عدمها.
وأول هذه الطرق طريقة : الإرشاد والتعليم وإقامة الحجة، كما وقع في نقاش ابن عباس رضي الله عنهما للخوارج، حتى رجع منهم ألفان أو ثلاثة آلاف،فمن استجاب من المخالفين لهذه الطريقة فبها ونعمت، وأما من أبى فإن السلف ـ بعد أن أقاموا عليه الحجة وقطعوا معذرته ـ ينتقلون إلى طرق أخرى من التعامل تكون في غلظتها أو خفّتها بحسب الاعتبارات السابقة التي يُنظَر من خلالها إلى الإحداث والابتداع.
وانطلاقًا من طريقة السلف في علاج ما وقع من الإحداث في زمنهم فإنه ينبغي للساعي في علاج داء التحزب في الأمة اليوم أن يراعي الآتي:
أولًا: التمييز بين من انضموا إلى حزب أو جماعة تنشر الكفر الصريح أو الشرك بالله تعالى وبين من لم يكونوا كذلك، فالمفسدة وإن كانت واقعة من الطرفين إلا أن من المؤكد أن درجة المفسدة متفاوتة بينهما، وهذا مما عناه الشاطبي حين ذكر الاعتبار الأول : من كون البدعة عظيمة المفسدة في الدين أم لا، وذلك أن التحزب الذي نحن بصدده نوع ابتداع، والبدعة عند أهل العلم على قسمين: بدعة مكفِّرة، وبدعة غير مكفرة، والفرق بين أهل البدعتين كبير، لأن الأولى مخرجة صاحبها من الملة ـ بخلاف الثانية ـ فلهذا تباينت أحكام أهل البدعتين في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: التمييز بين من انضموا لهذه الأحزاب والجماعات عن علم بالحكم الشرعي وبين من انضموا إليها عن جهل.
والتفريق بين من يعلم وبين من يجهل في الأمور المشتبهة التي قد تخفى أمر مقرَّر عند أهل العلم، ويترتب عليه أحكام شرعية كبيرة، تبدأ من تفاوت طريقة التعامل بين من يعلم ومن يجهل، كما قدَّمْنا، وتنتهي بإصدار الحكم الشرعي على كل واحد منهما، حتى قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
ولئن وُجِدت مسائل لا يخفى حكمها، ولا يمكن أن يُدّعى فيها الجهل فإن
التحزب مسألة قد يخفى أمرها، من جهة الجهل بوجود حكم للشرع يمنع المسلم من
التحزب لغير هدي النبي صلى الله عليه وسلم، هذا أولًا.
ثانيا: أن التحزب قد يخفى أمره بسبب تلبيس كثير من رؤوس التحزب، ودعواهم أنهم يسارعون بتحزبهم هذا إلى ما فيه مصلحة الأمة، فهم بزعمهم في طريق لا يسلكه إلا المخلص الساعي لرفعة أمته من كَبْوتها، وربما استدلوا على دعواهم بنصوص شرعية، فينضم إليهم كثيرون من الصادقين الجاهلين، بسبب هذا النوع الخفي من التدليس.
وهذا الصنف الجاهل حري ـ عند الناصح البصير ـ بالرأفة والرحمة أكثر من كونه حريًّا بالشدة والغلظة، إلى أن يبيَّن له حكم الشرع، فإما أن يقبل ـ وهو المظنون بمن كان ذا نية صالحة ـ وإما أن يرد الحق بعدما تبين فيكون شأنه شأن المعاندين، ويكفي أن تقام عليه الحجة، وهذا عين ما صنعه ابن عباس رضي الله عنهما مع الخوارج فقد رجع معه إلى الحق ذلك العدد الكبير، وأبى قبول الحق آخرون منهم ،فما الذي حصَّله ابن عباس مع هؤلاء؟ لقد حقّق مقصدًا شرعيا، هو إقامة حجة الله على المخالف.
ثالثًا: التمييز بين المستظهرين على تحزبهم بالقوة وبين من لم يكونوا كذلك. والفرق بين الطائفتين ظاهر، لأن المستظهر على تحزبه بالقوة قد يسعى إلى فرض تحزبه على الأمة بالسلاح، وقد يتفاقم أمره فيستمكن من البلاد ويفرض باطله بالقوة، أما من لم يستظهر بالأتباع، لكونه في حال من الضعف يسهل معه ردعه ومنعه من باطله ،وتفريق أصحابه عنه فهو دون الأول في الشر والفساد.
رابعًا: التمييز بين الداعين إلى باطلهم وبين من لم يكونوا كذلك. والفرق بين النوعين جلي واضح أيضا، فالداعي ناشر للباطل ممعن في العناد، أما الذي لا يدعو، وإنما اقتصر على نفسه فهو أقل خطرًا، وقد يكون أقرب إلى الاستجابة من الداعي إلى الباطل.
ومن المهم في هذا المقام التأكيد على أن الحريص على السُّنَّة ينبغي أن يكون ذا همة عالية، فكما يطمع أن يكون هذا المقتصر على نفسه أسرع إلى الاستجابة فإنه لا يقنط من الداعي، لأنه قد يكون داعيًا على جهل أو تقليد أعمى، كما أنه قد يحمله على دعوته اشتباهٌ يزول إذا نوقش مناقشة علمية جارية على سنن الشرع.
ولا ينبغي بالحريص على السنة أبدًا أن يصاب بالإحباط فيقول قولة ذلك اليائس: (والله لا يغفر الله لفلان) فإن هذا غير لائق من جهة التألي على الله، كما أنه طريق من طرق الشيطان لترك هؤلاء في غَيّهم يعمهون.
ومعلوم أن من المهتدين إلى السنّة الذابين عنها مَن قد كانوا يومًا ما متلبسين ببدعة أو فساد فهداهم الله للسنّة بفضله أولًا ثم بفضل دأب دعاة السنة وصبرهم. ولذا فإن الله تعالى –بيانا لنعمته - قد ذكَّر المؤمنين بحالهم السيئ الذي كانوا عليه قبل أن يمنّ عليهم بالإسلام فقال تعالى :(كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ),[النساء:94] فكذلك ينبغي أن يتذكر منّة الله كل من أكرمه الله بالهداية بعد الضلال ، ويسعى لاستنقاذ الواقعين فيما كان واقعاً فيه من ذلك الداء.
وتبقى أمور من المفيد أن نذكّر بها عند الكلام في نقد هذه الجماعات والأحزاب من أهمها:
إخلاص القصد لله تعالى: فلا تحملْنا المواقف الشخصية والعداوات البينية على الرد على أي صنف من هؤلاء، فإن هذا لن يزيد الداء إلا استفحالا، ولن يزيد المتحزبين إلا عنادًا. وإبانة الوجهة الشرعية لهؤلاء المتحزبين دِين يتقرب به المرء إلى الله، فلا يُفسده بالمقاصد المدخولة. وقد قال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في إحدى المسائل النفيسة التي استنبطها من قول الله تعالى : (قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) "التنبيه على الإخلاص، لأن كثيرًا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه".
ومن ذلك الصبر على ما قد يقع من المتحزبين من سفاهات، فإن المتحزب قد تهيّأ لكونه على الحق، وغيره على الباطل، فعندما يُنتقَد مسلكه فإن من النادر أن يحتمل كلام الناقد، فالصبر على هذا الصنف ـ ولاسيما الجاهل ـ أمر لابد منه، حتى تنجع طرق التوجيه بعد توفيق الله.
وثمة أمور قد يطول المقام بسردها يدركها من علم هدي النبي صلى الله عليه وسلم وعِظَم ما احتمل من الأذى، فهو أسوة حسنة لمن دعا إلى الله على بصيرة إلى يوم الدين.
وختاما فإن الواجب على جميع من أدخلوا هذه الأمة في دوامة التحزب أن يتقوا الله ويتدبروا في عواقب هذا الصنيع على أمتهم. ألا يرون كيف فرّق هذا التحزب جماعتها وأوهنها ونشر فيها العداوة والبغضاء؟
إن استمرار صم الآذان عن نقد علماء الأمة للتحزب من حيث هو، أو نقد جماعات معينة وَجَّه لها أهل العلم نقدًا علميًا منصفًا مِلؤُه الإخلاص لله تعالى والنصح لعباده، أدى إلى اشتداد الفُرقة في الأمة، وتشعّب الخلاف، حيث انشقت عن نفس الجماعات والأحزاب جماعاتٌ وأحزابٌ أخرى، واستفحل أمر الخلاف، وظهر في الأمة من يقودون الجماهير بلا علم شرعي مؤصل، واقتحموا ـ بكل أسف ـ الخوض في نوازل عظيمة يصدق عليها ما قال بعض السلف من أنها لو كانت في زمن عمر لجمع لها أهل بدر، ومع ذلك يخوض في هذه النوازل أولئك المتعجلون وينشرون بشأنها ما لا يشك أهل العلم في أنه من الجهل العظيم، فانتشر قول من لا يعلمون ودعمته الجماهير حتى صار الباطل المغلّف بالجهل شيئًا راسخًا في الناس، وسيسأل الله هؤلاء المجاوزين لحدوده عن جراءتهم على أحكام شرعه وخوضهم فيما لا يعلمون، وإن من النصح لكل مسلم، الوارد في حديث تميم الداري: ((الدين النصيحة)) أن يقال لهؤلاء: اتقوا الله في أنفسكم، وكُفُّوا عن تمزيق أمتكم، واسعوا إلى ما فيه جمعها على هدي سلفها الصالح عن علم وبصيرة، وما خفي عليكم من نوازل الأحكام فإن عليكم رده إلى أهل العلم ليبينوه، فإن الله لم يكلفكم الخوض فيما لا تعلمون، بل نهاكم عن ذلك وحذركم منه أشد التحذير.
والمظنون بمن دخلوا في هذه التحزبات عن قصد صالح، جاهلين بالحكم الشرعي أنهم إذا وُجِّه لهم نقاش علمي رصين تُجلَّى فيه النصوص بتطبيقات سلف الأمة، ثم احتسب الداعي إلى الله تَحمُّل ما قد يرِدُه من أذى ومقالة سوء، فإن المظنون أن عددًا من هؤلاء يرجعون عن تحزبهم بإذن الله تعالى، ، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولمزيد من بيان هدي السلف في التعامل مع المخالفين يمكن مراجعة محاضرة : (موقف السلف من المخالف) وهي موجودة على الرابط:
فإن الناظر في تاريخ أشهر الجماعات والأحزاب الموجودة في بلاد المسلمين يدرك أنها نشأت في مرحلة كانت الأمة تعاني فيها مذلة الاحتلال الغادر المسمَّى بالاستعمار، أو أن تلك الجماعات نشأت في المرحلة التي تلت رحيل أولئك الأعداء المحتلين الذين لم يفارقوا بلاد المسلمين حتى ألحقوا بالأمة أكبر قَدر أمكنهم من الإفساد لدينها ودنياها.
ولا ريب أن نشأة الجماعات والأحزاب في تلك الحقبة كانت نشأة غير عادية، كما أن الوجهات التي ارتضاها رؤوس تلك الأحزاب والجماعات كانت شديدة التباين، غير أنه يمكن القول: إن جميع الأحزاب والجماعات يمكن أن تُقسَم إجمالا إلى فريقين اثنين:
الفريق الأول: من اصطُلح على تسميتهم بالجماعات الإسلامية، وهذه الجماعات لم تنشأ غالبها نشأة علمية مؤصَّلة على ضوء الكتاب والسنة وفَهم سلف الأمة، ولذا تصدَّر زعامة كثير منها من لم يكونوا من أهل العلم الشرعي، فلا عجب أن تظهر في منهج تلك الجماعات وممارساتها جملة من المخالفات التي ظل أهل العلم ينبهون عليها منذ أمد بعيد، وإلى وقتنا هذا.
الفريق الثاني: الأحزاب التي نشأت متمردة على حكم الشرع، نابذة له، مُعلنة سعيها إلى إزاحة سلطان الشرع عن الحياة، وقادة هذه الأحزاب هم الذين استمكنوا من حكم أكثر البلدان التي خرجت من مذلة الاحتلال الغربي، وقد تسببت هذه الأحزاب في عدد من نكبات الأمة، مما حفل به تاريخها المستبد، مع ما خلفته من انحطاط عام في جميع المجالات.
ويخطئ اليوم كثيرون ممن ينصرف ذهنهم عند سماع كلمة التحزب والجماعات إلى أولئك المتحزبين الذين غلب عليهم اسم "الإسلاميين"، لأن الواقع أن التحزب والتجمع كان من قِبَل جميع الأصناف الذين ذكرنا، فمنهم من سُمُّوا بالإسلاميين، ومنهم آخرون اختاروا الوجهة القومية وتحزبوا عليها، واختار آخرون وجهة التبعيّة الغربية وتحزبوا عليها، و ظل هذا الصنف محل الرعاية من قبل القوى الغربية على مدار العقود الماضية إلى يومنا هذا، وقابل هؤلاء آخرون آثروا أن تكون وجهتهم شرقية ففضلوا الاشتراكية في إبان عنفوانها، وتحزبوا عليها، ودعمهم الاتحاد السوفييتي قبل انهياره ويسَّر لهم السيطرة على حكم عدد من البلاد، فحكموها بالحديد والنار كما يقال، وكان من أشر هؤلاء :البعثيون الذين تحزبوا على هذا الاسم، بدعوى أن في حزبهم البائس ـ حزب البعث ـ بعثًا جديدًا لأمة ماتت! وقد يتلاقى المتحزبون فيما بينهم من بعض الجهات، فيكون الواحد منهم اشتراكيًا قوميًّا في الوقت نفسه، في صنوف من الضلال والضياع الذي نُشرفي هذه الأمة على نطاق واسع .
إذًا فالتحزب واقع ممن يسمون (بالإسلاميين) ومن غيرهم، ولذا فإن من أسخف ما تسمعه الأذن صوت أحد من المتحزبين على الوجهة القومية أو الاشتراكية أو الغربية ينتقد متحزبا إسلاميا ويصمه بالتقوقع على حزبيته وجماعته، وكأن أولئك المتَّهِمين بريئون من التحزب، حريصون على جماعة المسلمين! والواقع أنهم هم أشد الأصناف غلوًّا في حزبيتهم، ثم إن تحزبهم كان على أضل السبل وأفسدها، كما أشرنا إلى ذلك في المقالة السابقة التي نشرناها حول حزبية الليبراليين الـمَقِيتة.
وهذا الوضع المزري الذي بلغ بالأمة هذا الحد بحاجة مؤكدة إلى علاج شرعي، خاصة وأن أعداد المنضَوِين تحت لواء هذه الجماعات والأحزاب في الأمة كثرة كاثرة، لا يحل أن يُتركوا في تخبطهم يعمهون، ثم هم مع ذلك متفاوتون في المبدأ الذي تحزبوا عليه، وكذا في درجة الإيغال في هذا التحزب، كما أنهم متفاوتون في أمر بالغ الأهمية، وهو العلم بحكم الشرع في تحزبهم هذا، وكذا الاستعداد بعد العلم للتسليم لهذا الحكم، فهم قطعًا ليسوا سواءً، ولا يمكن أن يُجمَل فيهم الكلام بحكم واحد يعمهم ، مع كونهم بهذا التفاوت الذي ذكرنا.
وقد حدثني أحد إخواننا الشاميين الذين هبُّوا لتبني أفكار إحدى الجبهات الاشتراكية في عنفوان حماسه قبل نحو (50 سنة) أنه كان وزملاؤه يُعرَّفون بجانب محدد من فكر الجبهة العفن، ويُخفَى عنهم ما في فكر تلك الجبهة من الإلحاد والفساد العريض، وذكر صاحبنا هذا أنه في فترة انضمامه للجبهة المذكورة كان ملازمًا للصلاة وأحكام الشرع، لا يدري من الأساس أن الشرع يعارض هذا التيار الخبيث، ولم يتبين له ذلك إلا بعد سنين من عمره نبذ بعدها الفكر الاشتراكي وجبهة الفساد نبذ النواة. وهذا الصنف الجاهل من المنضوين تحت لواء هذه الأحزاب والجماعات هم عند علماء السُّنَّة من أحق الناس بالاستنقاذ من سوء السبيل الذي ركبوه.
وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرًا ما يذكر أنه بيَّن لعدد من جهال الطوائف الغالية حقيقة ما هم عليه من الباطل،ويذكر رحمه الله أن كثيرين منهم كانوا يستجيبون لدعوته لهم، بل ذكر أن عددًا منهم صار يسعى في استنقاذ من أمكنه استنقاذه من أصحابه الذين كانوا مع تلك الطوائف، وهذا مقام من الجهاد كبير، يحتاج إلى صبر وإخلاص،ويأتي التنويه إليه لاحقًا بحول الله.
وبناء على ما قدّمنا من التفاوت بين المنضوين لتلك الأحزاب والجماعات فإن على كل ذي سُنّة يسعى لاستنقاذهم مما هم فيه من التحزب أن يلاحظ عدداً من الاعتبارات التي راعاها علماء السلف قبلنا، وهي على جانب كبير من الأهمية، ولا ينبغي أبدًا أن تغيب عنا عند علاج هذا الموضوع الكبير.
وهذه الاعتبارات قد أوضحها الشاطبي حين ذكر أن ثمة بابًا من الفقه كبيرًا يتعلق بمن أحدثوا في الأمة ما لم يأذن به الله، وذلك بالقيام عليهم بما أوجب الله من الإنكار، غير أن هذا الإنكار هو بحسب ما يأتي:
- البدعة في نفسها من جهة كونها عظيمة المفسدة في الدين أم لا.
- وكون صاحبها مشتهرًا بها أوْ لا.
- وداعيًا إليها أوْ لا.
- ومُستظهِرًا بالأتباع ـ أي مستندًا إليهم ـ وخارجًا عن الناس أوْ لا.
- وكونه عاملا بها على جهة الجهل أوْ لا.
فهذه الاعتبارات التي راعاها سلف الأمة السابقون ـ حين وقع الإحداث والابتداع في زمنهم ـ هي مما ينبغي أن نراعيه عند علاجنا لأمر هذه الأحزاب والجماعات، لأنها لا تخرج عن نطاق الإحداث لما لم يأذن به الله.
فإن قيل: إن الأحزاب والجماعات المعروفة اليوم يوجد بينها تفاوت كبير، قيل: فإن السلف قد خرج في زمنهم فِرَق تفاوت فَرْقُ ما بينها في درجة الضلال، ومع ذلك راعوا هذه الاعتبارات التي ذكرنا أتم المراعاة.
ثم إن السلف وعلماء الأمة قد بنوا على الاعتبارات التي ذكرنا تفصيل طريقة التعامل مع هؤلاء المخالفين، فقد تعاملوا معهم من خلال خمس عشرة طريقة، بدؤوها بالأيسر، ثم تدرجوا معهم، بحسب استجابتهم للحق من عدمها.
وأول هذه الطرق طريقة : الإرشاد والتعليم وإقامة الحجة، كما وقع في نقاش ابن عباس رضي الله عنهما للخوارج، حتى رجع منهم ألفان أو ثلاثة آلاف،فمن استجاب من المخالفين لهذه الطريقة فبها ونعمت، وأما من أبى فإن السلف ـ بعد أن أقاموا عليه الحجة وقطعوا معذرته ـ ينتقلون إلى طرق أخرى من التعامل تكون في غلظتها أو خفّتها بحسب الاعتبارات السابقة التي يُنظَر من خلالها إلى الإحداث والابتداع.
وانطلاقًا من طريقة السلف في علاج ما وقع من الإحداث في زمنهم فإنه ينبغي للساعي في علاج داء التحزب في الأمة اليوم أن يراعي الآتي:
أولًا: التمييز بين من انضموا إلى حزب أو جماعة تنشر الكفر الصريح أو الشرك بالله تعالى وبين من لم يكونوا كذلك، فالمفسدة وإن كانت واقعة من الطرفين إلا أن من المؤكد أن درجة المفسدة متفاوتة بينهما، وهذا مما عناه الشاطبي حين ذكر الاعتبار الأول : من كون البدعة عظيمة المفسدة في الدين أم لا، وذلك أن التحزب الذي نحن بصدده نوع ابتداع، والبدعة عند أهل العلم على قسمين: بدعة مكفِّرة، وبدعة غير مكفرة، والفرق بين أهل البدعتين كبير، لأن الأولى مخرجة صاحبها من الملة ـ بخلاف الثانية ـ فلهذا تباينت أحكام أهل البدعتين في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: التمييز بين من انضموا لهذه الأحزاب والجماعات عن علم بالحكم الشرعي وبين من انضموا إليها عن جهل.
والتفريق بين من يعلم وبين من يجهل في الأمور المشتبهة التي قد تخفى أمر مقرَّر عند أهل العلم، ويترتب عليه أحكام شرعية كبيرة، تبدأ من تفاوت طريقة التعامل بين من يعلم ومن يجهل، كما قدَّمْنا، وتنتهي بإصدار الحكم الشرعي على كل واحد منهما، حتى قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
وأخو الجهالة في خفارة جهله***والجهل قد ينجي من الكفران
ثانيا: أن التحزب قد يخفى أمره بسبب تلبيس كثير من رؤوس التحزب، ودعواهم أنهم يسارعون بتحزبهم هذا إلى ما فيه مصلحة الأمة، فهم بزعمهم في طريق لا يسلكه إلا المخلص الساعي لرفعة أمته من كَبْوتها، وربما استدلوا على دعواهم بنصوص شرعية، فينضم إليهم كثيرون من الصادقين الجاهلين، بسبب هذا النوع الخفي من التدليس.
وهذا الصنف الجاهل حري ـ عند الناصح البصير ـ بالرأفة والرحمة أكثر من كونه حريًّا بالشدة والغلظة، إلى أن يبيَّن له حكم الشرع، فإما أن يقبل ـ وهو المظنون بمن كان ذا نية صالحة ـ وإما أن يرد الحق بعدما تبين فيكون شأنه شأن المعاندين، ويكفي أن تقام عليه الحجة، وهذا عين ما صنعه ابن عباس رضي الله عنهما مع الخوارج فقد رجع معه إلى الحق ذلك العدد الكبير، وأبى قبول الحق آخرون منهم ،فما الذي حصَّله ابن عباس مع هؤلاء؟ لقد حقّق مقصدًا شرعيا، هو إقامة حجة الله على المخالف.
ثالثًا: التمييز بين المستظهرين على تحزبهم بالقوة وبين من لم يكونوا كذلك. والفرق بين الطائفتين ظاهر، لأن المستظهر على تحزبه بالقوة قد يسعى إلى فرض تحزبه على الأمة بالسلاح، وقد يتفاقم أمره فيستمكن من البلاد ويفرض باطله بالقوة، أما من لم يستظهر بالأتباع، لكونه في حال من الضعف يسهل معه ردعه ومنعه من باطله ،وتفريق أصحابه عنه فهو دون الأول في الشر والفساد.
رابعًا: التمييز بين الداعين إلى باطلهم وبين من لم يكونوا كذلك. والفرق بين النوعين جلي واضح أيضا، فالداعي ناشر للباطل ممعن في العناد، أما الذي لا يدعو، وإنما اقتصر على نفسه فهو أقل خطرًا، وقد يكون أقرب إلى الاستجابة من الداعي إلى الباطل.
ومن المهم في هذا المقام التأكيد على أن الحريص على السُّنَّة ينبغي أن يكون ذا همة عالية، فكما يطمع أن يكون هذا المقتصر على نفسه أسرع إلى الاستجابة فإنه لا يقنط من الداعي، لأنه قد يكون داعيًا على جهل أو تقليد أعمى، كما أنه قد يحمله على دعوته اشتباهٌ يزول إذا نوقش مناقشة علمية جارية على سنن الشرع.
ولا ينبغي بالحريص على السنة أبدًا أن يصاب بالإحباط فيقول قولة ذلك اليائس: (والله لا يغفر الله لفلان) فإن هذا غير لائق من جهة التألي على الله، كما أنه طريق من طرق الشيطان لترك هؤلاء في غَيّهم يعمهون.
ومعلوم أن من المهتدين إلى السنّة الذابين عنها مَن قد كانوا يومًا ما متلبسين ببدعة أو فساد فهداهم الله للسنّة بفضله أولًا ثم بفضل دأب دعاة السنة وصبرهم. ولذا فإن الله تعالى –بيانا لنعمته - قد ذكَّر المؤمنين بحالهم السيئ الذي كانوا عليه قبل أن يمنّ عليهم بالإسلام فقال تعالى :(كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ),[النساء:94] فكذلك ينبغي أن يتذكر منّة الله كل من أكرمه الله بالهداية بعد الضلال ، ويسعى لاستنقاذ الواقعين فيما كان واقعاً فيه من ذلك الداء.
وتبقى أمور من المفيد أن نذكّر بها عند الكلام في نقد هذه الجماعات والأحزاب من أهمها:
إخلاص القصد لله تعالى: فلا تحملْنا المواقف الشخصية والعداوات البينية على الرد على أي صنف من هؤلاء، فإن هذا لن يزيد الداء إلا استفحالا، ولن يزيد المتحزبين إلا عنادًا. وإبانة الوجهة الشرعية لهؤلاء المتحزبين دِين يتقرب به المرء إلى الله، فلا يُفسده بالمقاصد المدخولة. وقد قال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في إحدى المسائل النفيسة التي استنبطها من قول الله تعالى : (قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) "التنبيه على الإخلاص، لأن كثيرًا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه".
ومن ذلك الصبر على ما قد يقع من المتحزبين من سفاهات، فإن المتحزب قد تهيّأ لكونه على الحق، وغيره على الباطل، فعندما يُنتقَد مسلكه فإن من النادر أن يحتمل كلام الناقد، فالصبر على هذا الصنف ـ ولاسيما الجاهل ـ أمر لابد منه، حتى تنجع طرق التوجيه بعد توفيق الله.
وثمة أمور قد يطول المقام بسردها يدركها من علم هدي النبي صلى الله عليه وسلم وعِظَم ما احتمل من الأذى، فهو أسوة حسنة لمن دعا إلى الله على بصيرة إلى يوم الدين.
وختاما فإن الواجب على جميع من أدخلوا هذه الأمة في دوامة التحزب أن يتقوا الله ويتدبروا في عواقب هذا الصنيع على أمتهم. ألا يرون كيف فرّق هذا التحزب جماعتها وأوهنها ونشر فيها العداوة والبغضاء؟
إن استمرار صم الآذان عن نقد علماء الأمة للتحزب من حيث هو، أو نقد جماعات معينة وَجَّه لها أهل العلم نقدًا علميًا منصفًا مِلؤُه الإخلاص لله تعالى والنصح لعباده، أدى إلى اشتداد الفُرقة في الأمة، وتشعّب الخلاف، حيث انشقت عن نفس الجماعات والأحزاب جماعاتٌ وأحزابٌ أخرى، واستفحل أمر الخلاف، وظهر في الأمة من يقودون الجماهير بلا علم شرعي مؤصل، واقتحموا ـ بكل أسف ـ الخوض في نوازل عظيمة يصدق عليها ما قال بعض السلف من أنها لو كانت في زمن عمر لجمع لها أهل بدر، ومع ذلك يخوض في هذه النوازل أولئك المتعجلون وينشرون بشأنها ما لا يشك أهل العلم في أنه من الجهل العظيم، فانتشر قول من لا يعلمون ودعمته الجماهير حتى صار الباطل المغلّف بالجهل شيئًا راسخًا في الناس، وسيسأل الله هؤلاء المجاوزين لحدوده عن جراءتهم على أحكام شرعه وخوضهم فيما لا يعلمون، وإن من النصح لكل مسلم، الوارد في حديث تميم الداري: ((الدين النصيحة)) أن يقال لهؤلاء: اتقوا الله في أنفسكم، وكُفُّوا عن تمزيق أمتكم، واسعوا إلى ما فيه جمعها على هدي سلفها الصالح عن علم وبصيرة، وما خفي عليكم من نوازل الأحكام فإن عليكم رده إلى أهل العلم ليبينوه، فإن الله لم يكلفكم الخوض فيما لا تعلمون، بل نهاكم عن ذلك وحذركم منه أشد التحذير.
والمظنون بمن دخلوا في هذه التحزبات عن قصد صالح، جاهلين بالحكم الشرعي أنهم إذا وُجِّه لهم نقاش علمي رصين تُجلَّى فيه النصوص بتطبيقات سلف الأمة، ثم احتسب الداعي إلى الله تَحمُّل ما قد يرِدُه من أذى ومقالة سوء، فإن المظنون أن عددًا من هؤلاء يرجعون عن تحزبهم بإذن الله تعالى، ، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولمزيد من بيان هدي السلف في التعامل مع المخالفين يمكن مراجعة محاضرة : (موقف السلف من المخالف) وهي موجودة على الرابط:
وكتبه : الشيخ الدكتور
عبد الله بن عبد العزيز العنقري
حفظه الله .
أستاذ العقيدة المساعد بجامعة المللك سعود .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.