بسم الله الرحمن الرحيم
التزكيات و أصنافها ، ومتى تقبل ومتى ترد
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي
بعده .. وبعد .
قال الله تعالى (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ) النجم : 32 .
وقال تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ
يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) النساء : 49 .
قلت ( أبو سعيد ) ويستحيل أن تجد عبداً
مخلصاً لله في عمله ثم يتبجح بالتزكيات أو يفرح بها كي يقبل بين الناس وإذا نشرها
أحد وهو يعلم رضي بذلك ويكاد لا يثبت على الأرض من شدة الفرح ثم يشهرها كالسيف ليهدد
بها العباد بين الفينة والأخرى ، نسأل الله العافية والإخلاص في العمل ، وكان من الواجب عليه إذا أتته تزكية عالم ما
في شيء من أمور الشريعة أن يزداد تواضعاً وحلماً وخوفاً من النفاق وسوء الخاتمة لا
أن يستعمل تلك التزكية للتسفيه والتحقير والكبر على عباد الله لا سيما العلماء
وطلاب العلم .
قال ابنُ أبي مُليكة رحمه الله
: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهم يخافُ النفاقَ
على نفسه .
وسئل أبو رجاء العطاردي : هل
أدركتَ من أدركتَ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخشون النفاقَ ؟ فقال : نَعَمْ
إني أدركتُ منهم بحمد الله صدراً حسناً ، نعم شديداً ، نعم شديداً .
وكلنا يعلم من زكى أصحاب محمد - صلى الله
عليه وسلم - ، لقد جاءتهم التزكيات من فوق سبع سماوات وضمن الله لهم من الجنة
الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وبرأهم من النار
والنفاق ونزل بذلك جبريل عليه السلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشره
بأن الله قد رضي عن أصحابه وأخبره بمنازلهم في الجنة وأن الله قد تجاوز عنهم وغفر
لهم ورضي عنهم ، وأنزل ذلك في كتابه وفاضت بذلك السنة والآثار وهي عقيدة أهل السنة
والجماعة فمن شك في ذلك أو كذب شيء منه فقد كذب الله ورسوله ومن كذب الله ورسوله
فهو كافر زنديق وإن مات على ذلك فهو في نار جهنم خالداً فيها أبدا ، ومع هذا كله
تجدهم وجلين خائفين من النفاق ويخشون سوء الخاتمة ، فتفكر يا عبد الله بحال من هو
دونهم وأنا وأنت لا شك أننا ممن دونهم بكثير ، ولو نظرنا وتمعنا قليلاً لوجدنا أن
كثيراً من التزكيات في هذا العصر قد أساء بعض طلاب العلم استعمالها فأدى ذلك إلى
حدوث الفتن والمشاحنات والفرقة والاختلاف نسأل الله السلامة والعافية ، فيجب علينا
أن نتهم أنفسنا دائماً ونسأل الله أن يتجاوز عن تقصيرنا ولا نغتر بمدح المادحين
وتزكية المزكين فإنها والله لن تغني عنا من الله شيئا إن كنا غير مخلصين .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم . رواه مسلم
جاء في التمهيد لابن عبد البر
:
هذا معناه عند أهل العلم أن يقولها الرجل احتقاراً للناس وإزراء عليهم
وإعجاباً بنفسه ، وأما إذا قال ذلك تأسفا وتحزنا وخوفا عليهم لقبح ما يرى
من أعمالهم فليس ممن عني بهذا الحديث إلخ ...
أصناف التزكيات
1 – تزكية عامّة .
2 – تزكية خاصة .
التزكية العامة : هي لكل
مسلم عرف بحسن سيرته ومنهجه وعقيدته وليس بشرط أن تختص بشيء من فنون العلم ، مثلاً
لو سئل أحد العلماء عن فلان من الناس يعرفه إما أنه من أهل منطقته أو بينهم تزاور
في بعض الأحيان أو يلتقون في المسجد في أوقات الصلاة وهكذا ، ولكن لم يكتب لهذا
المزكى أن يتتلمذ على يد الشيخ ، فالتزكية هنا يغلب عليها حسن الظن وهي القاعدة
الأصل في الإسلام ، فهل يأتي بعد هذا من في قلبه ذرة من عقل ليجعل مثل هذه التزكية
بأن يقبل كلام هذا
الرجل المزكى بهذه الطريقة في دين الله وجرح الرجال وتعديلهم وإدخال
من شاء في السنة وإخراج من شاء منها ، وكان من الواجب على هذا الصنف من الناس أن
لا يغفل عن هذا الدعاء ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) ، وكذلك لا يغتر
المؤمن بمثل هذا النوع من التزكيات لأنها لو كانت كما ظن هذا المسكين لأصبح جميع
المسلمين علماء جرح وتعديل ومفتين وووإلخ .. نسأل الله الثبات على دينه .
التزكية الخاصة : هي
تزكية في أشياء من فنون العلم أو في شيء من أبوابه ، مثلاً لو زكى عالماً من
العلماء أحد طلابه في الفقه وكتب بخط يده أو بتسجيل صوتي أن فلان من طلابي يصلح
لتدريس الفقه ، فهذا المزكى لا يجوز له أن يدخل في كل علم كعلم الجرح والتعديل
مثلاً وهو علم لا يستطيعه أي أحد إلا النزر القليل من الرجال الذين رسخت أقدامهم
في العلم ،وكذلك لأن شيخه حين زكاه حدد نوع التزكية ، فيجب على الطالب حينئذٍ أن
يجتهد في فنه لينفع الله به الإسلام والمسلمين ، وكذلك لا ينسى قدر نفسه ويدخل في
غير فنه فيهلك ويهلك غيره معه ممن تبعه واغتر به من الطلاب نسأل الله العافية .
متى تقبل تزكية العالم لطالب العلم ومتى ترد
1 – تقبل تزكية العالم لطالب العلم حين يوافق عمل الطالب تزكية العالم
.
2 – لا تقبل تزكية العالم لطالب العلم حين يخالف عمل الطالب تزكية
العالم .
تنبيه : بعض
الناس هداهم الله ظنوا بأن تزكيات العلماء لبعض الطلاب كأنها جواز الدخول فيما
يعلم وما لا يعلم ، أي كأنه ( ممارس عام ) ونسي أن هذا الأمر دين فلا يجوز
الخوض فيه إلا بعلم وفهم وحلم وفقه وهذا يستحيل فعله إلا بالرجوع للعلماء الراسخين
والله الموفق .
وفي هذا الاختصار كفاية بإذن الله
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا
كتبه : الراجي رحمة ربه
أبو سعيد عبد الرحمن العثمان الحنبلي
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بتأريخ : جمـــ10ــــــادي الآخرة / 1435هـ
الموافق : أبريــــ10ــــــل / 2014م
أبو ظبي - الإمارات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق