بسم الله الرحمن الرحيم
(( من أقبح الطرائق الحزبية ))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فقد
كنت كتبتُ قبل بضعة عشر سنة مقالاً عن بعض أقبح الطرائق الحزبية في حشد
الجماهير وصرفها! طلب مني بعض المحبين إعادة ما قررته حينها فأقول:
إن للحزبين طرقاً أربعاً مع كل من انتسب للعلم سواء كان على الجادة أو منحرفاً عنها؛ وهي على وجه الإجمال:
[1] الاحتواء.
[2] والتهميش.
وهذان السبيلان يستخدمان مع كبار العلماء.
[3] والتمييع.
[4] والتلميع.
وهذان السبيلان يستخدمان مع طلاب العلم.
أما (الاحتواء)
فيتجه المتحزبون إلى عالمٍ مبرّزٍ فيحتوونه ويلتفون من حوله التفافاً
قوياً حتى يرى الأحداث والأشخاص والمقالات بمنظارهم ويتنفس بأنفاسهم
ويستنقذوا منه ما أرادوا من فتاوى وبيانات توافق مذهبهم ولو خالفهم في
كثيرٍ من الأصول فهم بذلك بطانة سوء له، ومثال هذا النوع:
الشيخان
حمود العقلاء وعبدالله بن جبرين رحمهما الله فهما على طرائق العلماء في
الاعتقاد والفقه والجلوس للتعليم والفتوى فترة طويلة من الزمن فالتف من
حولهم الحزبيون فنظروا بمنظارهم في كثير من الوقائع والأحداث فصدر منهما
فتاوى شاذة وتصرفات كانت محل إنكار العلماء بل محل مناقضة لما قرروه هم
بأنفسهم في مجالس أخرى من تقريراتهم العلمية.
ولكي
لا يكون الكلام مجرداً عن الدليل مع احترامي للشيخين واعترافي بفضلهما
فهما مشايخي وحضرت لهما وسجلت عنهما العديد من الفوائد، أضرب بمثالين:
الأول:
مشاركة الشيخ عبدالله بن جبرين في التوقيع على مذكرة النصيحة التي أنكرها
العلماء، والتي تزعمها العدو اللدود محمد المسعري! فزينوها في عينه، ثم بعد
ذلك أنكرها.
الثاني:
مشاركة الشيخ حمود العقلاء في تأييد المخربين وتمجيد سيد قطب، واعتباره من
المجددين! وهو يقرر في دروسه ومجالسه السمع والطاعة وضلال الأشاعرة
والطاعنين في الصحابة.
أما (التهميش)
فيتجه المتحزبون في بلدان عدة إلى (تهميش) العالم المعروف بالسنة والسلفية
والصلابة في الدين وكأنه لم يكن حياً بين ظهراني الناس، ومهما بلغ من علم
وفهم لا يناله منهم الثناء والتمجيد بل ولا الذكر! وكم من عالم أشبه حال
الأموات وهو بين الأحياء لا يُذكر ولا يُشكر ولا يُحال عليه في الفتوى
وإنما يحال إلى الأصاغر والأحداث! ومثال هذا الجنس:
من مشايخنا:
[1] ناصر السنة الأثري حمود التويجري رحمه الله في الرياض.
[2] الفقيه العلامة محمد بن عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله في الرياض.
[3] الفقيه المحدث القاضي محمد بن مسلم بن عثيمين قاضي رنية رحمه الله.
[4] الفقيه العلامة المعمّر إبراهيم بن راشد الحديثي قاضي قضاة عسير رحمه الله.
[5] فقيه الطائف ومحدثها ومفتيها من أربعين سنة عبدالرحمن بن سعد العياف حفظه الله.
وغيرهم
كثير في كل بلد! فمرّوا بتجمعات أتباع المتحزبين الرعاع وسلوهم من تعرفون
من أهل العلم في بلدكم؟ سيفاجئ السائل حينما يذكر من هو دونهم بكثير ويهمل
ذكر هؤلاء.
وربما
صرفوا الناس عنهم بدعاوى تنفيرية كأنهم كبار في السن، وأن الوصول إليهم
صعب، وأنهم لا يصلحون إلا للخاصة ونحو ذلك؛ وما نصحوا وإنما مرادهم
التنفير.
أما (التمييع)
فهو منهج يستعمل مع طلاب العلم المحققين الناصرين للسنة المعرضين عن
التحزب والفرقة؛ فمهما كان لديهم من جهود وعلوم وفهوم وحلِق علمٍ ونشاطٍ
ملموسٍ في بلدانهم، ومهما كتبوا ونشروا في نصرة الإسلام والسنة فلا تذكر
ولا تنشر ولا يشاد بها ولا يثنى عليه بينما لو تكلم فاسق ماجن فيما يخدم
مصلحة حوبهم طاروا به أيما مطيار!
ومثال
هذا الجنس كثير جداً ولو وافقوا المتحزبين في شذوذاتهم لطاروا به كما
طاروا بمن هم أدنى منهم بكثير ولوصفوهم وحلّوهم ببيارق الألقاب التي لقبوا
بها صعاليكهم بمنهجهم الماكر وهو النوع الرابع:
(التلميع)
فلو برز من بينهم من لا يُعرف بعلم ولا مثافنة للعلماء ولا رواية ولا
دراية أو عُرف بقليل من ذلك لحلَّوه بكبير الألقاب كـ(المحدث) و(العلامة)
و(الإمام) و(المجاهد) بل و(شيخ الإسلام!!!) وكذبوا على السذج البسطاء بأنه
يحفظ المتون ويحوز الفنون؛ وربما قالوا: (خليفة فلان) أو (ابن تيمية
الصغير) ولما كنت في مبتدأ الطلب والإقبال على العلم - ولا زلت فيه - نزلت
بمدينةٍ فسألت عن عالمٍ أستفيد منه فذكروا لي شاباً من وقالوا بأنه يحفظ:
القرآن بتفسيره! والكتب الستة! وفتاوى ابن تيمية! فلمَّا قابلته وجدت أنه
جِلْدٌ منفوخ على عقلٍ مشروخ! يطير مع الرياح وينقلب مع كل ذات جناح!
فهذه
طرائق المتحزبين للفرق المحدثة التي انتشرت في البلاد وأضرت بالعباد ينبغي
للمسلم أن يكون فطناً متنبهاً لها كي لا يقع في شرَك القوم فيضلَّ ويُضِل،
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الطائف ٢٥ محرم ١٤٣٤ هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق