************************

************************

التاريخ

||

جديدي في تويتر

الأحد، 19 مايو 2013

رسالة في أحكام الولاية ، من المجموعة السابعة من ((جامع المسائل)) لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي - رحمه الله -




      رسالة في أحكام الولاية ، من المجموعة السابعة من ((جامع المسائل)) (ص201) :


(( بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله ))


سأل بعضُ ولاة الأمر _وفقه الله تعالى لمعالي الأمور ، وجنّبه بفضل رحمته مواقع الشرور ، وجمع بينه وبين أوليائه في الحبور_ شيخ الإسلام ومفتي الأنام ، ومن عمّت بركته أهل العراقين والشام : تقي الدين أبا العباس أحمد بن الشيخ العلامة شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية ، أعاد الله من بركته على الطالبين ، وأعلى درجته في علّيين ، أن يبين له سبيل حكم الولاية على قواعد بناء الشرع المطهَّر ، بسبب تهمة وقعت في سرقة ، ليكتب شيئاً في ذلك .
فكتب له الجواب مختصراً ، وبالله التوفيق .

الحمد لله ربِّ العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً .
ولاية أمور الإسلام من أعظم واجبات الدين ، وأفضل أعمال الصالحين ، وأعلى القُرُبات إلى رب العالمين ، إذا اجتهد وليّ أمرهم في اتباع الكتاب والسنة ، وتحري العدل والإنصاف ، وتجنّب طرق الجهل والظلم ، ولا يكلِّف الله نفساً إلاّ وسعها .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلاّ ظله : إمام عادل ، وشابٌّ نشأ في عبادة الله عز وجلّ ، ورجل قلبه معَلَّق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرّقا عليه ، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه بالدموع ، ورجل دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال ، فقال : إني أخاف الله ربّ العالمين ، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينه )) . أخرجاه في الصحيحين .
فانظر كيف قدّم النبي صلى الله عليه وسلم الإمام العادل .
وفي الحديث : (( يومٌ من إمامٍ عادل أفضل من عبادة ستين أو سبعين سنة )) .
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( المقسطون عند الله تعالى على منابر من نور عن يمين الرحمن _وكلتا يديه يمين_ الذين يعدلون في حكمهم وما وَلُوا عليه )) .
وولاية الشرطة والحرب من الولايات الدينية والمناصب الشرعية ، المبنيّة على الكتاب والسنة ، والعدل والإنصاف ، ولها قوانين صنّف العلماءُ فيها مصنّفات كما صنفوا في ولاية القضاء .
فإنّ والي الحرب يُقيم الحدود الشرعية على الزاني والسارق والشارب ونحوهم . ويقيم التعزيرات الشرعية على من تعدَّى حدود الله . ويحكم بين الناس في المخاصمات والمضاربات ، ويعاقب في التُّهَم المعلقة بالنفس والأموال ، وينصب العُرَفاء الذين يرفعون إليه أمر الأسواق ، والحرَّاس الذين يرفعون أمور المساكن ، وغير ذلك من مصالح المسلمين .
وكلُّ هذه الأمور من الأمور الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( حدٌّ يُقام في الأرض خير من أن تُمْطِروا أربعين صباحاً )) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من حالت شفاعته دون حدٍّ من حدود الله فقد ضادَّ الله في أمره ، ومن قال في مسلم ما ليس فيه حُبِس في رَدْغة الخَبال حتى يخرج مما قال ، ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع )) رواه أبو داود .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم يقيمون العقوبات الشرعية ، ويُعرِّفون العُرفاء ، وينقِّبون النُّقباء ، ويحكمون بين الناس في الحدود والحقوق ، وجعل الله لكلِّ شيء قدراً .
فإذا ادَّعى الرجل على آخر أنه باعه أو أقرضه ، أو نحو ذلك من العقود ، لم يكن في ذلك عقوبة ، بل إن أقام المدّعي بيّنةً وإلا حُلِّف المدّعى عليه . وإذا حَلَف بَرِئ في الظاهر وكان المدَّعي هو المفرِّط حيث لم يُشْهِد عليه .
وقد جرت العادةُ : أن ما فيه شهادات وتعديل وإثبات وأيمان فَمَرْجِعه إلى القضاء .
وأما التُّهَم ، وهو إذا ما قتل قتيل لا يُعرف قاتله ، أو سُرِق مال لا يُعْرَف سارِقه ، فالحكم في هذا على وجهٍ آخر ، فإنه لو حُلِّفَ المتّهمُ وسُيِّب ، ضاعت الدماء والأموال ، وكذلك لو كُلِّف المدَّعي بالبينة ، فإن القاتل لا يفعل ذلك غالباً قُدَّام أحد .
ولو كان كلُّ من اتهمه صاحبُ الدمِ والمالِ يُضْرَب الصالحون ، وأهل البرّ والتقوى ، والعلماء والمشايخ ، والقضاة ، والأمراء ، وكلُّ أحدٍ بمجرّد دعوى المُتّهم . وهذا ظلم وعدوان ، فإن الظلم لا يُزال بالظلم .
بل الاعتدال في ذلك : أن يُحبس المتّهم الذي لم يُعلم براءته ، فقد روى بَهْزُ بن حكيم عن أبيه عن جدّه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَبَس في تهمة .
وهذا الحديث ثابت ، وقد عمل به الأئمة وأتباعهم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم .
ثم يُنظَر في المتّهم ، فإن عُرف قبل ذلك بسرقة ، أو قامت أمارات تقتضي أنه قد سَرَق : فقد رخَّص كثير من العلماء في ضربه حتى يعترف بالسّرقة .
وقد روى البخاري في ((صحيحه)) أن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم إلى الزبير بن العوام رجلاً ليعاقبه على مال اتُّهِمَ بكتمانه ، حتى اعترف بمكانه .
وإن شهد الناس لذلك المتّهم أنه من أهل الثقة والأمانة ، لم يجز أن تُبَاح عقوبته بلا سبب يُبيح ذلك ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( ادرأوا الحدودَ بالشُّبهات ، فإنَّ الإمام أنْ يخطئ في العفو خيرٌ من أن يخطئ في العقوبة )) .
وأكثر ما يُفعل بمن يكون هكذا أن يضمن عليه ، ويحلَّف الأيمان الشرعية على نفي ما ادُّعي به عليه .
وقد روى أبو دواد في ((سننه)) أن قوماً جاؤوا إلى النعمان بن بشير ، فقالوا : إن هذا سرق لنا مالاً فاضربه حتى يعترف به . فقال : إن شئتم ضربته ، فإن ظهر مالكم عنده وإلاّ أخذت من ظهوركم مثل ما أخذت من ظهره . فقالوا : هذا قضاؤك ؟ قال : هذا قضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وإذا عُرِفَ أن الرجل عنده مال يجب عليه أداؤه ، إما دينٌ يَقْدِر على وفائه وقد امتنع من الوفاء وإما وديعة أو عارية ، وإما مال سرقَه ، أو اغتصبه ، أو خانه من مال السلطان الذي يجب عليه دفعه ، أو من مال اليتيم ، أو من مال موكّله أو شريكه ، أو نحو ذلك ، فإذا عُرف أنه قادر على أداء المال ، وهو ممتنع ، فإنه يُضرب مرةً بعد مرةٍ حتى يؤديه . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ليُّ الواجِدِ يُحلّ عِرْضه وعقوبته )) .
الليُّ : المطل ، والواجد : القادر .
.....(سقط من الخطوط)
... { والذين تبوَّءو الدار والإيمن من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يُوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون } ، وهؤلاء الأنصار .
ثم قال تعالى : { والذين جآءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمن ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم } .
وهذا الصنف الثالث إلى يوم القيامة ، وصفهم بالإستغفار للسلف وسؤال الله ألا يجعل في قلوبهم غلاًّ لهم ، وهؤلاء يلعنون السلف ولا يستغفرون لهم ، ولا يطلبون من الله منع الغل ، بل يسعون في قوّة الغلّ والبغض والعداوة لخيار أهل الإيمان .
ثم إن هؤلاء يخونون ولاة أمور المسلمين في الجهاد وحفظ البلاد ، وهم أعداؤهم عداوةً دينية ، إذ كانوا يعادون خيار الأمة ، وخيار ولاة أمورها الخلفاء الراشدين ، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار .
والذي ابتدع الرَّفض كان زنديقاً أظهر موالاة أهل البيت ، ليتوصل بذلك إلى إفساد دين الإسلام ، كما فعل بولص مع النصارى . ولهذا كانت الرافضة ملجأً لعامّة الزنادقة القرامطة والإسماعيلية والنصيرية ونحوهم .
فلا يصح لولاة الأمور أن يولّوهم على المسلمين ، ولا استخدامهم في عَسْكر المسلمين ، بل إذا استبدل بهم من هو من أهل السنة والجماعة ، كان أصلح للمسلمين في دينهم ودنياهم .
وإذا أظهروا التوبة والبراءة من الرفض ، لم يوثق بمجرد ذلك ، بل يُحْتاط في أمرهم ، فيفرّق جموعهم ، ويُسكنون في مواضع متفرّقة بين أهل السنة، بحيث لو أظهروا ما في أنفسهم عُرِفوا ، ولا يتمكنون من التعاون على الإثم والعدوان . فإنهم إذا كان لهم قوَّة وعدد في مكان ، كانوا عدوًّا للمسلمين مجتمعين ، يعادونهم أعظم من عداوة التتر بكثير .
ولهذا يخبر أهل الشرق القادمون من تلك البلاد : أن الرافضة أضرّ على المسلمين من التتر ، وقد أفسدوا مَلِك التتر وميَّلوه إليهم ، وهم يختارون دولته وظهوره ، فكيف يجوز أن يكون في عسكر المسلمين من هو أشدّ عداوةً وضرراً من التتر ؟!
والتتري إذا عرف الإسلام ودُعي إليه أحبّه واستجاب إليه ، إذ ليس له دين يقاتل عليه ينافي الإسلام ، وإنما يقاتل على الملك .
وأما الرافضة فإن من دينهم السعي في إفساد جماعة المسلمين وولاة أمورهم ، ومعاونة الكفار عليهم ، لأنهم يرون أهل الجماعة كفارًا مرتدّين ، والكافر المرتد أسوء حالاً من الكافر الأصلي ، ولأنهم يرجون في دولة الكفار ظهور كلمتهم وقيام دعوتهم ما لا يرجونه في دولة المسلمين ، فهم أبداً يختارون ظهور كلمة الكفار على كلمة أهل السنة والجماعة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج : (( يقتــلـــون أهــــل الإسلام ويدعون أهل الأوثان )) .
وهذه سواحل المسلمين كانت مع المسلمين أكثر من ثلاثمائـة سنــة ، وإنما تسلّمها النصارى والفرنج من الرافضة ، وصارت بقايا الرافضة فيها مع النصارى .
وأما دولة التتر ، فقد علم الله أنّ الذي دخل مع هولاكو ملك التتر ، وعاونه على سفك دماء المسلمين ، وزوال دولتهم ، وسبي حريمهم ، وخراب ديارهم ، وأخذ أموالهم : فهم الرافضة ، وهم دائماً مع اليهود والنصارى أو المشركين .
فكيف مثل هؤلاء ولاةً على المسلمين أو أجناداً ، لهم مقدم منهم ، في عسكر المسلمين ، يأكلون أموال بيت المال ، منفردين في بلادٍ عن جماعة المسلمين ؟!
فمن أعظم النُّصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، دفع ضرر هؤلاء عنهم . والله تعالى أعلم تمت )) .



(( من أنفس ما جاءني على البريد ))











التوقيع :

جميع الحقوق محفوظة لموقع © المدونة السلفية الحنبلية