الاثنين، 26 نوفمبر 2012

(( المظاهرات ليست من سنن الأنبياء ))





بسم الله الرحمن الرحيم



(( المظاهرات ليست من سنن الأنبياء ))
المظاهرات .... ليست من سنن الأنبياء ...ولا من أساليب العقلاء ومن مات في أكثرها ... لا يجوز أن يسمى شهيدا
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:فلا يخفى على الناظر ما تموج به البلاد الإسلامية من تيارات عنفٍ ومظاهرات، تحت شعار (إسقاط الطغاة) و(تعديل النظم).ولي عدة تأملات في هذه الأحداث أجملها في عدة نقاط:
أولاها: أن المظاهرات، وحمل الرايات والشعارات، وإشعال نار الفتنة والتخريب ليست من دين المرسلين، ولا من طرائق المجاهدين، وقد مرّ أنبياء الله تعالى بأزمات وأزمات مع عددٍ من الطغاة والجبابرة، وهم قتلة الشعوب، وحفار الأخاديد، ومن أتوا على الأخضر واليابس في الأرض، ومع ذلك ما حمل الأنبياء ولا أتباعهم الخرق والشعارات، ولم يحرقوا في الأخشاب بله أن يحرقوا أنفسهم شجبا واستنكاراً كما يصنعه الخرقى اليوم.
وكلهم لسانهم لسان موسى عليه السلام لما استنصره قومه حينما قال: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128].وقال لهم: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 129]فكانت العاقبة له ولقومه فقال الله تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف : 137].
وكذلك صنع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان في مكة، وصناديد قريش الطغاة يفعلون أبشع الجرائم في حق الإنسانية في آل ياسر، فلم يقم عليه الصلاة والسلام بعملية إرهابية، ولا حمل الشعارات والخرق يشجب ويستنكر، وإنما قال لهم: «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة».فدل ذلك كله على أن ظلم الطغاة مهما كان طغيانهم لا يقابل بمثل هذه الأمور المحدثة، وإن كان ولابد فالأمر مناط بأهل الحل والعقد في مسألة خلع الحاكم الطاغي لا إلى عموم الناس، ولا بمثل هذه الأساليب.
ولما أشار المغيرة بن الأخنس على عثمان رضي الله عنه ترك الحكم، فاستشار عثمان عبدالله بن عمر، قال له عبدالله بن عمر: أرأيت إن خلعت تترك مخلدا في الدنيا؟ قال: لا ، قال: فهل يملكون الجنة والنار؟ قال: لا ، قال: فقلت: أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا ، قال: فلا أرى أن تسن هذه السنة في الإسلام كلما سخط قوم على أميرهم خلعوه لا تخلع قميصا قمصكه الله. [الطبقات الكبرى: 3 / 66].
وها قد سنّها هؤلاء اليوم، كلما سخطوا على حاكم صاحوا بمثل هذه المظاهرات.والواجب على من ولي عليهم أحدٌ من أولئك الطغاة، عدة أمور:
منها: مناصحته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بمحضره من غير إشاعة ولا إذاعة للفتنة بين الناس، وهكذا صنع أنبياء الله مع رؤوس من خالفهم من أئمة الكفر، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام جائر» [رواه أحمد] ولا يخرج بالتشهير والتعيير، واستغلال القنوات الفضائية الفتانة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في "مسنده": «من أراد أن ينصح لذي سلطان بأمر فلا يبد له علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه».
وليعلم أولئك المتربعون على عروش الإذاعات أنهم شركاء في جرم سفك الدماء بين الحاكم والمحكوم.
قال عبدالله بن عكيم: «لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان! فقالوا له: يا أبا معبد أوَ أعنت على دمه؟! فقال : إنّي أعدّ مساويه عوناً على دمه» [طبقات ابن سعد: 6/170].
ومنها: الاشتغال بالعبادة ودعاء الله تعالى بالفرج، والله غالب على أمره، يقضي ما يشاء ويختار، يبطل كيد كل كائد بحوله وقوته، وهكذا صنع أنبياء الله تعالى مع الجبابرة، فأرسل الله تعالى عليهم صنوف العذاب والتنكيل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وكان الحسن البصري يقول إن الحجاج عذاب الله فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإن الله تعالى يقول: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)[المؤمنون : 76] وكان طلق بن حبيب يقول: اتقوا الفتنة بالتقوى، فقيل له: أجمل لنا التقوى، فقال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله، رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث، ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم..» [منهاج السنة: 4/315].

الثانية: أن الجهاد يكون بالقول كما يكون باليد، وهؤلاء الذين يخرجون في المظاهرات يزعمون أنهم يخرجون في سبيل الله تعالى.والسؤال: تحت راية من؟ولنصرة أية مبدأ من المبادئ؟إن من يشاهد تلك المظاهرات ولديه أدنى مسكة من عقل، وأدنى دراية بأصول الدين أنهم يخرجون لطرح نظام فقط! ثم يطلبون (نظاما مدنيا يسمونه!) وهو (الحرية المزعومة) تحت مظلة (الديموقراطية اللعينة) ولهذا نراهم في مقام واحد المسلم والنصراني والشيوعي الملحد والعلماني الفاجر وطرائق عدة، كلهم يحملون شعارا واحدا!!وأي شعار يجتمع فيه المسلم مع الكافر غير هدم شعائر الدين وإقرار الكفر والوثنية؟!ومن العجب أن يوصف من يموت في تلك المظاهرات بالشهادة! وما راياتهم إلا رايات عمِّية جاهلية من مات تحت مظلتها فميتته حاهلية، لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عمية ، يغضب لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة ، فقتل فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ، لا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي بعهد ذي عهدها ، فليس مني ، ولست منه» [أخرجه مسلم والنسائي].
الثالثة: لا يشك من لديه أدنى دراية بتسلسل الأحداث أن هذه الموجة الثورية:
[1] طبخة صهيورافضية.
[2] بتخطيط غربي.
[3] بأيادي عميلة ودخيلة ومغفلة! داخلة بين صفوف المسلمين.
[4] وغطاء إعلامي من القنوات العميلة.
[5] مع بعض الحماية السياسية من بعض الدول العربية!
وإلا فالشعوب الإسلامية على أقل تقدير ستظل شعوبا إسلامية في الجملة، أي أن (الدين) فيها مقرٌّ مقبول، وإنما الفساد في أمور (الدنيا) بفساد النظم التي تسوسها، وما يحصل فيها من ظلم وجور واستبداد بالأموال. ولكن! أين تلك المظاهرات عن الدول الغربية التي (تحارب حرية الإسلام فقط) وتمنع المسلم من أبسط حقوقه؟لا أقول المسلم العربي! بل المسلم الأوروبي والأمريكي و و و !لماذا لا تقبل تلك الدول بالمظاهرات في شوارعها طلبا في تحقيق مطالبهم؟!
ولماذا لا تقبل تلك الدول نداءات الدول الإسلامية لهم بضبط النفس، وعدم انتهاك حقوق الإنسان، وقمع الحريات، و و و عندما يبطشون ويسجنون ويقتلون بغير حق؟هل تقبل إحدى تلك الدول أن تكون تالية: ليبيا؟ فيها ملايين المسلمين يطالبون بحرياتهم الإسلامية ولو بقطعة قماش تضعها المرأة على وجهها؟
أين أصحاب الفتاوي كأشباه القرضاوي وشرذمته عن مناصرة المسلمين في تلك البلدان؟
وبين يدي الناظر الواقع والمستقبل!
أما الواقع فلينظر بماذا تتعهد الحكومات المؤقتة في تلك البلدان التي خلع رؤوساؤها؟
إنهم ينادون إلى (وطنية لا حزبية ولا إسلامية) ويتعهدون باحترام الحريات ولو كانت الكفر بالله تعالى، والإلحاد والشيوعية والرفض والعلمانية والانحلال الأخلاقي، وهذا غاية ما يريده أعداء الإسلام.والمستقبل لناظره قريب!
وللحديث بقية، والسلام.....

كتبه/ بدر بن علي بن طامي العتيبي
صبيحة الاثنين 25 ربيع الأول 1432هـ
الطائف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.