(نظرة نقديّة في مقال:(المـجّة) لعبد الحميد العربي)
اللّهم إني أبرأ إليك من الشماتة براءتي من السّكوت على باطل أمكَنتَني من دفعه
الحمد لله، وبعد:
1 - أن غرضي منه تنبيهه على حاجتنا جميعًا إلى ستر الله وعافيته.
2 - وأن الخطأ لا يسلم منه أحد، وأدلّ شيء على ذلك ما نبّهته عليه من الزّلل الذي بدر منه في مقاله ذلك؛ فأبى الرجل أن يقبل من الله عافيته، ويحمد للنّصَحة من إخوانه إغضاءهم، فاحتملته الحميّة على أن ردّ على مقالي بمقال سماه: (مجة في وجه خالد حمودة).
هي (مجّـةٌ) لفظًا ومعنًى، تمجُّها الطِّباع، وتنفر منها الأسماع.
1 - غلطه في النُّطق بأسماء رجال الصَّحيح.
2 - وغلطه في عدَّة أبواب كتاب الفتن من صحيح البُخاري.
3 - وأن شرحه على غير الطّريقة المعروفة عند الشّراح.
وعن الثاني: بمثل ما أجبت به عن الأوّل، وزدته بالبرهان أن الصّواب مع الشيخ لا معه.
وعن الثالث: أنّ طريقة الشّرح اختيارٌ للشارح، فلا عتب.
وزدته فصلاً في إثبات أنه أعجميّ لا عربيّ، حتى يعلم أن تسميته بـ: "العربـي" إنما هي من باب تسمية العرب اللّديغَ سليمًا، تفاؤلاً بسلامته، لا تحقيقًا لها، وتسميتهم القفر من الصحاري: مفازةً، تسليةً لسالكها بالنجاة والفوز، فظنّ هو أن اسمه لتحقيق المعنى؛ فطغى وبغى، وقال: (إن العربيّة (تمشي) في دمي) - كذا سمعتها من لفظه -
فانظر ما كان منه بعد ذلك فيما أُعاجلك به من مساجلته.
في مسـألة التصحيف
(إنّ فعلة شيخك جريمة كبيرة، وهي من قبيل الجهل برجال البخاري وهم بين عينيه مُحبَرون، والاستهانة بالإسناد الذي هو من الدين، والفحش فيه خطر وخيم).
وكل هذا منه جهالةٌ بالغة، وذلك أن هذا الكلام ما كان فيه من حقٍّ فمحلُّه في غير هذا الموضع؛ لأنَّ أهل الحديث - وأعني أهله بحقّ لا ادّعاءً تفضحه شواهد الامتحان - قد فرَّقوا في عدَّة مواضع بين علوم الإسناد في زمن الرِّواية، وبينها فيما بعد ذلك من الأزمان، التي بقيت فيها علوم الإسناد من أجل الحفاظ على شرف الإسناد لا للاعتماد!
فمن تلك المواضع التي نبهوا فيها على هذا التفريق:
ووجهُ ذلك ما قدَّمنا في أوَّل كتابِنَا هذَا مِن كَون المقصُود آلَ آخِرًا إلى المحافَظة على خِصِّيصَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ فِي الأَسَانِيدِ، وَالمُحَاذَرَةِ مِنَ انْقِطَاعِ سِلْسِلَتِهَا، فَلْيُعْتَبَرْ مِنَ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْغَرَضِ عَلَى تَجَرُّدِه، وَلْيُكْتَفَ فِي أَهْلِيَّةِ الشَّيْخِ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا، بَالِغًا، عَاقِلاً، غَيْرَ مُتَظَاهِرٍ بِالْفِسْقِ وَالسُّخْفِ، وَفِي ضَبْطِهِ بِوُجُودِ سَمَاعِهِ مُثْبَتًا بِخَطٍّ غَيْرِ مُتَّهَمٍ، وَبِرِوَايَتِهِ مِنْ أَصْلٍ مُوَافِقٍ لأَصْلِ شَيْخِهِ، وَقَدْ سَبَقَ إِلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا رُوِّينَا عَنْهُ تَوَسُّعَ مَنْ تَوَسَّعَ فِي السَّمَاعِ مِنْ بَعْضِ مُحَدِّثِي زَمَانِهِ الَّذِينَ لا يَحْفَظُونَ حَدِيثَهُمْ وَلا يُحْسِنُونَ قِرَاءَتَهُ مَنْ كُتُبِهِم، وَلا يَعْرِفُونَ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِمْ... قال: وَالْقَصْدُ مِنْ رِوَايَتِهِ وَالسَّمَاعِ مِنْهُ أَنْ يَصِيرَ الْحَدِيثُ مُسَلْسَلاً بِـ(حَدَّثَنَا) وَ(أَخْبَرَنَا)، وَتَبْقَى هَذِهِ الْكَرَامَةُ الَّتِي خُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةُ شَرَفًا لِنَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -، وَاللَّهُ أَعْلَمُ" .اهـ
- ومن ذلك أيضًا أنهم أسقطوا الضُّعفاء من المتأخِّرين من كتب الضُّعفاء؛كصنيع الحافظ الذهبي في "ميزانه"، انظر "ميزان الاعتدال" (1/ 4).
- ونصُّوا على ذلك أيضًا في المسامحة في تدليس المتأخِّرين، وإسقاطم من المؤلَّفات في هذا الباب. قال شيخنا أبو كاتب مفلح الرّشيدي - أيدّه الله - في منظومته في المدلِّسين: ومَن بتدليسِ الشُّيوخ يتَّصِفْ *** ومَن أتى بعدُ من النَّظم حُذِفْ
أي أنه أسقط من نظمه من ذُكر بتدليس الشُّيوخ، ومن دلَّس من المتأخِّرين؛ لأنَّ كلاًّ من النَّوعين لا ينبني عليه تصحيح، ولا تعليل.
وهذا معلوم عند المتخصِّص وغيره، قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله - في نقده لعبد الحيِّ الكتاني - وكان راويةً ليس له من الحديث إلا جمع الرِّوايات والاستكثار من الإجازات -: "إن ثمرة الرِّواية كانت في تصحيح الأصول، وضبط المتون، وتصحيح الأسماء، فلما ضُبطت الأصول، وأُمِن التَّصحيف في الأسماء؛ خفَّ وزن الرِّواية، وسقطت قيمتها" اهـ بلفظه من "الآثار" (3/ 546).
فإذا بلغتَ معي هذا الموضع؛ فاسمع بعدُ قول هذا الدعيِّ:
(إن التحريف والتصحيف في أسماء الأعلام وكناهم وأنسابهم وألقابهم أثره كبير وخطير على السنة، حيث إنه يؤدي إلى الخلط بين الثقات والضعفاء والمجاهيل، وأخرى يؤدي إلى إيهام تعدد رواة الحديث بينما هو راو واحدٍ)
فقد رأيتَ تسهيلهم في ضبط الأسماء، وكيف أنه عند الدعيِّ جريمة كبيرة، واستهانة بالإسناد الذي هو من الدين، وأصول باطلة، وجهل بمنزلة البخاري، وخطر على السنة!!
هذا شيء.
وشيء آخر: أن ما ذكره من الأمثلة لتصحيف الشَّيخ، كقوله في (عبد الوارث بن سعيد): (عبد الله الوارث)، وفي (خلَف): (خلْف)، ونحو ذلك؛ فواضح أنه من سبق اللِّسان، وتأثير النَّسلان (أعني الإسراع)، وإلاَّ؛ فهي أسماء معروفة ومعلومة، يستوي في العلم بها كل من له قدرة على معرفة موقع الترجمة من كتب الرِّجال.
أحدهما: قوله: (أقول لفصيح منتدى التصفية والتربية خالد حمودة مُحسِنا به الظن وإن كنت أجهل عينه وحاله)
فالمعلوم عند العامِّ والخاص أن مبحث الجهالة - عينًا وحالاً - متعلق بالرِّواية؛ فإذا روى الراوي خبرًا فإنه يُتوقَّف في قبوله حتى تثبت عدالته بأمور، منها ارتفاع الجهالة عنه عينًا وحالاً.
أمَّا في المباحثات والتقريرات؛ فلا حاجة إلى النظر في حال المتكلم، بل يُنظر إلى كلامه وحجته وبرهانه، وهذا سيبويه قد استشهد في كتابه بخمسين شاهدًا لا تعرف أسماء قائليها - فضلاً عن أعيانهم وأحوالهم -، ومع ذلك فهي حُجج على معاني الكتاب والسنة عند جميع الأمة.
لكن الرَّجل شدا مصطلحات لا يعي مقاصدها، ولا يحسن تنزيلها منازلها؛ فهو يخبط خبط عشواء.
وأمَّا الدلالة الثانية: فقوله: (إن شيخك الذي هرعت للدفاع عنه مغاضبا فوقت في هيص وبيص، وكان قمن بك أن تنصحه بالإعتناء بالسنة دراية ورواية؛ واقعٌ مع التصحيف والتحريف في أشنع إدارج عرفه أهل الحديث، إدراج يؤول إلى التشكيك في الإسناد والمتن معا، فيقول: حدثنا سفيان كما يقولون، وحدثنا عوف مثلا، حدثنا سَلمان ما شاء الله، نهيك عن حشو ضمن الأسانيد والمتون لا يُعلم له نظير)
بل الإدراج عندهم في المتن أن يزيد شيئًا من عنده فلا يتميَّز، أو يُدرج متنًا في متن على أنَّهما واحد، سواء كان قائلها واحدًا أو متعدِّدًا، وفي الإسناد له صور؛ منها أن يدخل إسنادًا في إسناد.
أمَّا أن يضيف شيئًا من عنده والسَّامع يعلم ذلك منه بالتصريح، أو بالقرينة، وشاهد الحال؛ فليس ذلك من الإدراج في شيء، وقد نصُّوا عليه، قال ابن الصلاح في النوع الخامس والعشرين (ص 225): "لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي نَسَبٍ مَنْ فَوْقَ شَيْخِهِ مِنْ رِجَالِ الإِسْنَادِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُهُ مُدْرِجًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ مُمَيَّزٍ، فَإِنْ أَتَى بِفَصْلٍ جَازَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: (هُوَ ابْنُ فُلانٍ الْفُلانِيُّ)، أَوْ (يَعْنِي: ابْنَ فُلانٍ)، وَنَحْوَ ذَلِكَ".
فانظر إلى قوله: "ليس له أن ينسبه إليه مُدرجا عليه، فإذا أتى بفصل جاز"؛ فإنه صريح في أنه لا إدراج مع الفصل والبيان، ولكن الرجل جارٍ على رسوم الألفاظ، مولع بتنزيلها على غير منازلها. نزَلوا بمكَّة في قبائلِ هاشم *** ونزلْت بالبَيداء أبعدَ منزلِ
وإذا كان هذا فيما كتبه بيده يُدافع به عن نفسه؛ فكيف لو نقَّب الناس في كلامه الَّذي ارتجله في المجالس،كما يصنع هو؟!
وإذ الحديث عن الإدراج فقد ناسب أن نقول له: ليسَ هذا بعُشِّك فادرُجي.... وما هاهُنا بيتُك فاخرُجي
في عـدّة أبواب الكتاب
فعادت المسألة مسألة ترجيح بعد أن كانت مسألة تجريح!!
فلا إله إلا الله، كم بين قوله هذا، وبين قوله أوَّلاً: (ومن أراد أن يتأكد فليراجع شرحه لكتاب الفتن من صحيح البخاري الذي عند هذا الرجل 29 بابا، وعند العلماء 28 بابا. فمن غرائبه أضاف بابا إلى كتاب الفتن من صحيح البخاري، فعند العلماء رواية: كريمة، ورواية أبي ذر، ورواية الكشمهني، وعند الجزائريين رواية هذا الرجل؟؟؟؟)
على أن كلامي معه كان في ثلاثة مقامات؛ فتغافل عن اثنين، واشتغل بالثالث:
فالمقام الأول: في أن هذه المسألة ليست من متين مسائل العلم التي يشتغل بها البارعون من أهل الفنون، وإنما أبقوها لمثل هذا الدعيّ؛ يقضون منها الأوطار، ويقطعون بها الأعمار، ويتشبعون بها عند الأغمار.
المقام الثاني: أنه جهلٌ به، وخروجٌ عظيم عن أصول الشريعة ومقاصدها؛ أن يُسقط رجلاً يشهد له هو نفسه بالسلفيّة، وبلوغ الغاية اجتهادًا في الدعوة = بغلطه في هذا النوع من العلم.
والمقام الثالث: هو تصويب كون أبوا ب الكتاب تسعةً وعشرين على ما تقدم.
فيما تفاصَح به العييّ
(العربي - إنسانًا - أعجمي - لسانًا - )
ولم يكن في نيّتي أن أعيد الكرّة؛ لأن المُعاد ثقيل، غير أنه اضطرني إلى ذلك أمران:
أحدها: أنه اعتذر عن أغلاطه الأولى بالعجلة، وبأنها سقطت حال الكتابة، فكأنه يقول: أقيلوا عثرتي؛
فإن عثرتُ بعدها إن وألت....... نفسي من هاتا فقولا:لا لعا
فقد أقلناك منها؛ فأرنا الذي تصنع!!
وقد اجتزأت بالجليّ من لحنه وعيّه، وأعرضت عن دقيقه وخفيّه، وعزائي - فيما أعالجه من عيّه؛ أنّي لن أُخلي الناظر - إن شاء الله - من فائدة تخفّف عنه ألم المصابرة.
لقد عرفناك يا حمودة ومقتناك لتعصبك وعصبيتك ومقتك معنا المنصفون).
فأقول: ما مَثَل عبد الحميد - فيما قصد إليه من استجلاب الغريب واستعمال الوحشي - ومثلُ قارئ مقاله؛ إلا كأبي علقمة الأعرابي، وأبي زلازل الحذَّاء، فإنه أتاه فقال: يا حذّاء! احذُ لي هذا النعل. قال: وكيف تريد أن أحذوه؟ قال: خصّر نطاقها، وغضّف معقبها، وأقِّب مقدمها، وعرِّج ونية الذؤابة بحزم دون بلوغ الرصاف، وانحل مخازم خزامها، وأوشك في العمل، فقام أبو زلازل فتأبّط متاعه، فقال أبو علقمة: إلى أين؟ قال: إلى ابن القرّية ليفسر لي ما خفي عليّ من كلامك. اهـ
وأما آخره ففصيح حسن، غير أن أصله من كلامٍ يُعزى للحسن، تفاصح به الدعيّ متشبِّعًا، ولو نسبه لأفهم وما أوهم.
حكى أبو عبيد في "الأمثال"، وعنه ابن سِيدة في "المخصص" (3/ 99)، عن الحسن - رحمه الله - أنه قال: "ما تشاء أن تلقى أحدهم أبيض بضًّا ينفض مذرويه، ويضرب أصدريه، يملخ في الباطل ملخا، يقول: هاأنا ذا فاعرفوني، فقد عرفناك، مقتك الله ومقتك الصالحون".
2 - قوله: (وهم بين عينيه مُحبَرون)
فـ(مُحبَرون) هذه من زوائده على المعاجم وكتب اللغة؛ لأنه قصد به اسم مفعول من (الحبر) الذي هو المداد، أٍراد معنى مزبور، ومكتوب، ومرقوم، وهو جهل شنيع؛ لأن الزبر، والرقم، والكتب،كلٌّ منها مصدر متضمن لحدث، فلذلك صلُح لأن يُشتق منه اسم الفاعل، واسم المفعول، ونحوها من المشتقّات، أما (الحبر) فاسم لا مصدر، فلا يصلُح أن يشتق منه اشتقاقًا صرفيًّا كالذي صنع العييّ.
3 - قوله: (الفحش فيه-أي الإسناد-خطر وخيم )
تركيب عجيب لا يوقف له على معنى، فمن فهم مراده فليفدنا به حتى ننظر فيه.
4- قوله: (وأقول لخالد حمودة فصيح منتدى التصفية والتربية كما قال ابن ناكل في بعض نثره مع تصرف مقبول: أبقاك الله في منتدى التصفية والتربية في عز مرفوع كاسم كان وأخواتها، ومنصوب إلى سمك السّماك كاسم أنّ وذواتها، موصوف بصفة النماء، موصول بصلة البقاء، ممدود إلى يوم التناد، معرّف به، مضاف إليه، مفعول له، موقوف عليه، صحيح سالم من حروف العلة، غير معتل ولا مهموز همز الذّله، يثنى ويجمع جمع السلامة والكثرة، لا جمع التكسير والقلّة، ساكن لا تغيره يد الحركة، مبني على اليمن والبركة، مبتدأ به خبره الزيادة، فاعل مفعوله الكرامة، يقرأ باب التعجب من يراه منصوبا على الحال إلى أعلى ذُراه، منصرفا إلى ربوة ذات قرار ومعين، ليقل معي أهل المنتدى آمين).
قلت: ابن ناكل هذا هو الغزنوي، عطاء بن يعقوب بن ناكل الكاتب، أحد أعيان الهند في القرن الخامس، له ديوان مشهور، ترجمته في "معجم الأدباء" (3/ 1623)، و"نزهة الخواطر" (1/ 65)، و"أعلام الزّركلي".
ولا أدري لِمَ نسبه إلى جدِّه؟!
أجَهل شهرته؟
أم دلّسه ليُعمّي أمره، ويُغرب به على الواقف عليه؟
وبعد: فجزاك الله خيرًا على دعائك، وحسن ظنك، فوالله مارددت عليك إلا قيامًا بما أراه حقًّا ودينًا - من كفِّك عن ظلمك، ورفع الظلم عمّن بغيت عليه -، وأرجو الله تعالى - رجاء صدق - أن يعُزَّ مقامك باتّباع شريعته، ويُعلي مكانك بإخلاص الدّين له.
ومع ذلك؛ فقد كان ينبغي الإعراض عن مثل هذا الدعاء المتكلَّف، الذي لا يصلح أن يناجَى به الربُّ العظيم، فإنه إذا كان قول القائل: (اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة) اعتداءً في الدعاء؛ فكيف بعزّ مرفوع كاسم كان وأخواتها، ومنصوب كاسم إن وذواتها؟ اللَّهم عفوَك.
5 - قال: (وهو لم يجد بين يديه من يعلمه خطورة التصحيف)
صدقت؛ لأن المعلم يُجلس بين يديه، وليس هو الذي يجلس بين يدي المتعلّم، هذا عند سائر الناس.
أما عندك؛ فلا ندري! فإن حقائق الشريعة مقلوبة، فلا نُبعد أن تُقلب عندكم مجاري العادات!
فهذا اجتلبه من ترجمة الغزنوي المذكور، ولا أقول سرقه، وإن كان عند الأدباء سرقةً ليست بدون سرقة المتاع، غير أن لا قطع فيها، على حدّ قول الصّاحب ابن عباد: فسارق المال يقطعْ ...... وسارق الشعر يصفعْ
في "معجم الأدباء": " إذا اجتمع الأفاضل في مضمار التفاضل، واتّزنوا بمعيار التساجل، كان هذا الشيخ هو الأبعد إحضارًا، والأرجح مقدارًا ".
هذا لفظ كلامه.
أما عن معنى مرامه؛ فقد حكى أبو الطّيِّب الوشاء في كتاب "الفاضل" له، عن عمر بن عبد العزيز أنه أتاه رجل فسأله عمر: من سيِّد قومك؟ قال: أنا، قال عمر: "لو كنت سيِّدًا لما قلت هذا".
وقد اختلس من هذه الترجمة أكثر ما تفاصح به؛ كقوله: (لم يورد خالد حمودة سحاحةً أُروي بها كبدي الصادية).
فهذا من فصل للغزنوي أورده ياقوت في "المعجم"، أوله: "منذ توردت هذه الناحية، لم يرد عليَّ سحاءة أُروي بها كبدي الصادية، وأجلو حالي الصادية".
على أنه لجهله قلب "السحاءة" - وهي القطعة من الشيء، والمراد هنا قطعة من السحاب - فجعلها "سحاحة"، وأظنه دخل عليه التصحيف من جهة (المكتبة الشاملة - الإلكترونية -)؛ فإن فيها "سحاحة" - كما نقل المختلس -،والسحاحة-بتشديد الحاء-في غير هذ الموضع هي العين الجارية،فلو كان الكلام من إنشائه لأمكن أن تُمشى
ثم أقول: صدقت، وبررت؛ فإنما أورت أنا ما يسخِّن كبدك الباغية، لا ما يُروي غُلّتك الصّادية.
ومما اختلسه أيضًا قوله: (ولم أخلص من نقده بعد صبره المرير إلا عارضة داجية الجو باكية النوء).
ففي "المعجم": "وطلعت علينا عارضة داجية الجوّ، باكية النوّ، وأمطرتنا مطر السوّ"، فانظر ما في هذا من القبائح:
- اختلسه أوَّلاً
- ثم أفسد سجعه ثانيًا بإثبات همز النوء اتِّباعًا لنسخة (الشاملة) أيضًا
7 - قال: (الراجح ثمانية وعشرين بابا).
فـ(عشرين) هذه معطوفة على ثمانية، وهي مرفوعة، وحقّ المعطوف على المرفوع الرفع، إلاَّ إذا كان المتكلم مريض القلب، ممتلئَه حنقًا وغيظًا، فله أن ينصب ما حقّه الرفع،كما نصب العداء لمن حقّه الرّفع بالولاء.
8 - ثم صواب العبارة: (والرّاجح أنه ثمانية وعشرون) بزيادة الضمير العائد على العدّ، وإلا لكان المعنى: الرَّاجح نفسه ثمانية وعشرون بابًا، ومراده هو أن الرّاجح في العدّ ثمانية وعشرون.
فهل في العيّ بعد هذا مطلب؟
9 - قال: (بعيدا عن الرّهلة المشرفة على الجمهور)
(الرّهلة) في لسان العرب: الانتفاخ من قبيل السِّمن، يقولون: رهِل لحمه، أي: اضطرب واسترخى، ولم يذكروا له معنى غير هذا، ولا أُبعد أن تكون جرت على لسانه! فقذف بها على ما تهيّأ، فالرجل جريء مقدام.
وقد جهدت أن أخرِّجها له على وجه يصحّ ولو بمجازٍ بعيد - قال به أو لم يقل - فأبى عليَّ موضعها من الكلام، فإن كان عنده غير هذا؛ فليُفدنا به!!
10 - قال: (يقر لأهل الفضل والعلم حقا بالتقدم ممن بقي منهم على الجادة وممن اندثر)
الجادّة: (من بقي منهم ومن اندثر)، وأما ما قاله فتركيب أعجمي قبيح.
11 - قال: (رجال كتاب أصح الكتب بعد كتاب الله)
فكلمة (كتاب) - الأولى - مقحمة، لا يستقيم الكلام إلا بحذفها.
12 - قال: (قال خالد حمودة:إذا خلوت لنفسي. الصواب: خلوت بنفسي، أو إلى نفسي، أو مع نفسي)
كنت لأستفيد هذه الفائدة وأنسبها إليك شاكرًا مُثنيًا، غير أنه حال دون ذلك مانعان:
الثاني: أني أردت باللاَّم: لام العلَّة، أي:خلوت من أجل نفسي، ولك أن تخرِّجها على التَّضمين،كما هو مذهب البصريين، أو على اعتوار الحروف، كمذهب الكوفيين. قال إبراهيم السامرائي - عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة -: خلوتُ لنفسي أستعيد شُجُونَها *** ولم أستفدْ ممّا خلوتُ بطائلِ
13- قال: (فوقت في هيص وبيص)
14 - قال: (وكان قمن بك أن تنصحه بالإعتناء بالسنة)
حق الكلام: قمنًا؛ لأنه خبر كان مقدم ، فله النصب.
همزة"الاعتناء"همزة وصل لا همزة قطع،على قاعدة مصدر الماضي من الفعل الخماسي
خاتمـة:
ولكن الجهل بالعربيّة جهل بمادة العلم ووسيلته، فلذلك لا يُستطاع علم، ولا يُدرك فهم، مع الجهل به.
قال ياقوت: "فإن العلم إنما هو باللسان، فإذا كان اللسان معوجًّا متى يستقيم ما هو به؟".
آخره.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
خالد حمّودة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق