الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

تفريغ شرح ثلاثة الأصول المجلس الثاني : للأخ الفاضل الشيخ علي بن مختار الرملي حفظه الله : نقلاً عن شبكة الدين القيّم .





قال : ( الأولى) المسألة الأولى التي يجب علينا تعلمها، ( العلم ) هو إدراك الشيء على ما هو عليه – أي على حقيقته - إدراكا جازما ، ذكر المؤلف العلم ثم فسر المراد منه هنا ، فقال : ( وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة )


هذه المسألة الأولى من المسائل الأربعة التي ذكر المؤلف – رحمه الله – أنه يجب علينا تعلمها.


( معرفة الله) كيف تعرف الله – سبحانه وتعالى -؟ تعرفه بخلقه، بالتأمل في مخلوقاته، بالتأمل في السماوات والأرض، والجبال والإبل، وفي أنفسنا أيضاً. نتأمل في كل هذا، نعرف الله – سبحانه وتعالى – حق المعرفة، والمقصود بالمعرفة هنا: معرفة تقتضي الإيمان والقبول والانقياد لشرع الله - سبحانه وتعالى – ولكل ما أراده الله – سبحانه وتعالى – منا.


قال ابن رجب – رحمه الله -: معرفة العبد لربه نوعان: معرفة عامة، ومعرفة خاصة.


المعرفة العامة وهي الإقرار به والتصديق والإيمان .


قال : ومعرفة خاصة تقتضي ميل القلب إلى الله بالكلية، والانقطاع إليه، والإنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيبة له. انتهى


هذه المعرفة الخاصة ؛ هي التي وردت في قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.


وأما المعرفة العامة فهي المقصودة هنا، معرفة تستلزم الإقرار والتصديق والإيمان والانقياد لشرع الله – سبحانه وتعالى -.


( ومعرفة نبيه) أي معرفة محمد – صلى الله عليه وسلم -، الذي أرسله الله بدين الإسلام، معرفة اسمه، ونسبه، وبلاده التي كان يعيش فيها، والتي هاجر إليها، ومعرفة سيرته بالجملة.


(ومعرفة دين الإسلام ) : الإسلام لغة هو والاستسلام بمعنى واحد وهو الانقياد.


وشرعاً يطلق الإسلام على معنيين: الإسلام بالمعنى العام، والإسلام بالمعنى الخاص.


الإسلام بالمعنى العام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.


هذا الإسلام بالمعنى العام، الإسلام الذي جاء به جميع الرسل ، قال الله – تبارك وتعالى – عن إبراهيم – عليه الصلاة والسلام-: { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } [البقرة: 128] ، وقال { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين }[ آل عمران:67] هذا الإسلام العام الذي ذكرناه.


أما الإسلام بالمعنى الخاص: فهو الذي بعث به محمد – صلى الله عليه وسلم - .


هذا الإسلام بالمعنى الخاص، والذي لا يرتضي الله – سبحانه وتعالى – ديناً غيره بعدما بعث نبينا محمدا – صلى الله عليه وسلم -.


قال ( ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ) معرفة الله التي تستلزم الإيمان به، والانقياد لأمره، ومعرفة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم -، التي تستلزم الإيمان به بأنه رسول الله – تبارك وتعالى -، وتستلزم تصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر .


ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.


الدليل : ما يرشد إلى المطلوب .


ومعرفة الله ومعرفة رسوله – صلى الله عليه وسلم – تكون بالأدلة السمعية والعقلية.


الأدلة السمعية: هي أدلة الكتاب والسنة، الأدلة العقلية: ما يثبت بالعقل. أما معرفة دين الإسلام، فهذا يعرف بالأدلة السمعية.


قال المؤلف - رحمه الله -: ( الثانية العمل به ) المسألة الثانية ، المسألة الأولى العلم، وشمل ذلك معرفة الله، ومعرفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.


المسألة الثانية: العمل به ، العمل بالعلم ؛ أن تعمل بما تعلمت؛ فعلم بلا عمل لا ينفع، فالعمل هو الثمرة المطلوبة من العلم، العلم وسيلة للعمل. قال - عليه الصلاة والسلام -: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة ، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه " .


فالإنسان مسؤول عن علمه الذي يتعلمه، ماذا يعمل به، فلابد من العمل بما تقتضيه معرفته ، فيجب عليه الإيمان بالله والانقياد له بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، والإيمان بنبيه وتصديقه وطاعته .


قال المؤلف – رحمه الله - المسألة ( الثالثة: الدعوة إليه) الدعوة إلى ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم -، من شريعة الله – تبارك وتعالى - ، قال الله – تبارك وتعالى -: { ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } [النحل: 125] ، وقال { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } [يوسف: 108]. فالدعوة واجبة على كل مسلم على حسب طاقته، وقدرته .


واجبة على العلماء على قدر طاقتهم، وعلى العامة كذلك ، فالأمر الذي يشترك في معرفته العالم والعامي، يدعو إليه الجميع، والذي يختص بعلمه العالم، يدعو إليه العالم.


ومن المهم أن تكون الدعوة بعلم وحكمة ولين ورفق ، هذا هو الأصل.


الأصل في الدعوة أن تكون بلين ورفق، مع العلم والحكمة ؛ قال الله – تبارك وتعالى – لموسى وهارون – عليهما السلام -: { اذهبا إلى فرعون إنه طغى . فقولا له قولاً ليناً. لعله يتذكر أو يخشى } [طه: 43، 44]. فاللين أولى من الغلظة وأدعى لقبول الدعوة ؛ لكن – هذا بداية – أما إذا كان الشخص معاندا فهذا يحتاج إلى شيء من الشدة ، انظروا إلى موسى – عليه السلام – ماذا قال لفرعون مع أن الله أمره باللين معه، لكن لما رأى منه عنادا ماذا قال له؟ قال الله – تبارك وتعالى – على لسان موسى – عليه السلام -، قال لفرعون : { لقد علمتَ ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً } [الإسراء: 102] أي هالكاً أو ملعوناً.


قال له كلاما شديدا لأنه رأى منه عناداً.


وقال الله – تبارك وتعالى -: { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم } [العنكبوت: 46] هؤلاء لا ينفع معهم الجدال بالتي هي أحسن، وهذا معلوم أن المعاند لا يأتي بالكلمة الطيبة ولا باللين، فيحتاج إلى شدة وغلظة في التفاهم معه. كما قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: إذا كانت إحدى اليدين عليها أوساخ فتحتاج إلى شدة من اليد الأخرى حتى تنظف. فإذا كان الشخص معانداً فلا ينظف ما عنده إلا بالشدة .


قال المؤلف – رحمه الله –( الرابعة: الصبر على الأذى فيه )


أصل الصبر في اللغة هو الحبس، والصبر في شرع الله ثلاثة أقسام :


صبر على الطاعة ، وصبر عن محارم الله ، والثالث الصبر على المقدور.


الصبر على ما قدّر الله – تبارك وتعالى – عليك .


ومن يدعُ إلى الله سبحانه وتعالى ويمشِ في طريق الأنبياء، لا بد أن يناله ما نال الأنبياء.


والأنبياء عندما دعوا إلى الله – سبحانه وتعالى – وجهوا بأنواع من المخالفة ومن الأذى، ومع ذلك صبروا على الأذى .


فالصبر واجب ؛ فالصبر مهم جداً في دين الله – تبارك وتعالى – وليس فقط في الدعوة، بل هو مهم في دين الله كله.


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : فإن الدين كله، علم بالحق وعمل به، والعمل به لا بد فيه من الصبر، بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر. بهذه الكلمات أشار إلى المسائل الأربع التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -: العلم، والعمل، ومن العمل الدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى -، ثم الأخيرة وهي الصبر.




قال: ( والدليل قوله تعالى ) الدليل على كل ما تقدم ؛ ( قوله تعالى: { والعصر } ) [العصر: 1]. الواو واو القسم، وحروف القسم ثلاثة: الواو والباء والتاء ، وهذه الواو واو القسم، والعصر هو الزمن، الوقت ، وهذا الوقت أقسم الله – سبحانه وتعالى – به، وعظّمه، ولله أن يعظم ما يشاء من خلقه، أما نحن فلا نقسم إلا بالله ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " من كان حالفاً فليحلفْ بالله أو ليصمتْ ". و قال – عليه الصلاة والسلام -: "من حلف بغير الله فقد أشرك " ، فنحن ليس لنا أن نحلف إلا بالله ، والله – تبارك وتعالى – له أن يعظم من خلقه من يشاء . ( إن الإنسان لفي خسر ) [العصر: 2]. خسران، في ضياع ، جنس الإنسان في ضياع . قال ( إلا الذي آمنوا وعملوا الصالحات ) [العصر: 3] استثناء من الإنسان ، فالذين جمعوا بين الإيمان القلبي والعمل بالجوارح والأركان وما سيأتي ليسوا بخاسرين ( وتواصوا بالحق ) [العصر: 3]. أي أوصى بعضهم بعضاً بالحق، والحق ضد الباطل، وهو هنا بمعنى الإيمان والعمل. وتواصوا بالحق: أي تواصوا بالإيمان بالله – سبحانه وتعالى -، والعمل بطاعة الله – تبارك وتعالى - ( وتواصوا بالصبر ) [العصر: 3] أي أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله – تبارك وتعالى -، وعن محارم الله، وعلى أقدار الله .


قال ابن القيم – رحمه الله – في المدارج: أقسم – سبحانه – أن كل أحدٍ خاسرٌ، إلا من كملت قوته العلمية بالإيمان، وقوته العملية بالعمل الصالح، وكمَّل غيره بالتوصية بالحق، والصبر عليه، فالحق هو الإيمان والعمل، ولا يتمّان إلا بالصبر عليهما، والتواصي بهما. هذا كلامه – رحمه الله – وهو كلام نفيس وتفسير واضح لهذه الآية.


( قال الشافعي – رحمه الله تعالى - : لو ما أنزل الله حجةً على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم) لِمَا اشتملت عليه مما تقدم ، وهذا القول للشافعي عزاه الشيخ حماد الأنصاري لـ "مناقب الشافعي" للإمام البيهقي – رحمه الله -، نقله عنه ابنه عبد الأول، وعزاه ابن رجب لأبي نُعيم بلفظ آخر كما في مصاعد النظر للبقاعي ، ومما ورد في فضائل سورة العصر، حديث أبي مدينة أنه كان الرجلان من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر. . . إلخ ، هذا الحديث لا يصح ؛ قال فيه الذهبي – رحمه الله – في تاريخ الإسلام: هذا حديث غريب جداً، ورواته مشهورون، وقال في أبي مدينة : قيل له صحبة ولا يصح. اهـ


وأبو مدينة هذا هو علة الحديث، فلا يوجد فيه جرح ولا تعديل، ولا تثبت صحبته فهو مجهول، فهذا الخبر لا يصح.


قال المؤلف – رحمه الله -: ( وقال البخاري – رحمه الله – ) البخاري الإمام المعروف محمد بن إسماعيل البخاري، ولد في بخارى وهي مدينة في أوزبكستان، هي اليوم في شمال أفغانستان، وهو صاحب كتاب الصحيح ، وفقه البخاري في تبويباته ، قال : ( بابٌ العلم قبل القول والعمل ، والدليل قوله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } [محمد: 19]؛ فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ) فيجب أن يقدّم العلم على العمل ، فهذه الآية استدل بها البخاري – رحمه الله – على وجوب البداءة بالعلم قبل القول والعمل. والله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.