بسم الله الرحمن الرحيم
كنت قد كتبت في بداية مناقشتنا للعربي الذي تبين لنا كذبه حينها هذا الموضوع في منتديات البيضاء العلمية، وأنقله هنا لمسيس الحاجة إليه الآن بعدما ظهر جرح الشيخ عبيد حفظه الله للعربي بالكذب، ولإزالة مايلبس به هذا الرجل حول جرحه الذي بان لكل سني شكر سعي الشيخ عبيد.
خطورة الكذب:
قال الامام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه القيم الفوائد" :
" إيّاك والكذب فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكذب يصور المعدوم موجودا، والموجود معدوما،والحق باطلا،والباطل حقا،والخير شرا، والشر خيرا، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه،ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم مؤثرة للباطل،وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار صدورها كصدور الكذب عن اللسان فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله، ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إن الكذب يهدي إلى الفجور،وإن الفجور يهدي إلى النار"
(متفق عليه). وأول ما يسري من الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده، ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة، إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك المادة من أصلها.
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر، والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة، وغيرها أصلها الكذب، فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق، وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب، والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق بأن يوفقه بالقيام بمصالح دنياه وآخرته،فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب." اهـ

قال الشيخ ربيع حفظه الله في شريط ثمرات الصدق: والحذر الحذر من الكذب، فإنه يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، والكذاب يصل به إلى الزندقة والكفر، حتى قال أحد المفسرين" ماهناك ذنب أقبح بعد الكفر بالله من الكذب" والفرق الضالة يشيع فيها الكذب، وكذلك الأحزاب، وما يروجون لأباطليهم وضلالاتهم إلا بالكذب، فنعوذ بالله من الخذلان" اهـ

حفظك الله ياشيخ ربيع، من أراد أن يروج لباطله وضلاله يرتدي ويلبس الكذب.


أخذ وتلقي العلم عن الكذاب:
ذكر الشيخ عبيد الجابري حفظه الله، قال:
كان مالك بن أنس يقول :لا يؤخذ العلم من أربعة ويؤخذ ممن سوى ذلك :
1- لا يؤخذ من سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس .

2- ولا يؤخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس إذا جرب ذلك عليه وان كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3- ولا من صاحب هوى يدعوا الناس إلى هواه .
4- ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف الحديث "اهـ

قال العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" و إن الكاذب لمحذور في حياته لا يوثق به في خبر و لا معاملة، و إنه لموضع الثناء القبيح بعد وفاته، و لقد قرن الله تعالى الكذب بعبادة الأوثان، فقال تعالى : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) [الحج : 30] . " ا.هـ من (الضياء اللامع من الخطب الجوامع).
قال الشيخ ربيع في أهل البدع يدخلون في جرح أئمة الحديث دخولا أوليا:

الإمام أحمد وغيره لا يقصرون التحذير على أهل البدع ، تجدهم أيضا يحذرون من الفساق
والكذابين وحتى من الصالحين الذين ليسوا أهلاً للأخذ عنهم.
وقال: قال ابن سيرين : " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم "، وهذا تحذير من أهل البدع ومن غيرهم من الضعفاء والكذابين والمتهمين ممن لا يجوز أخذ الدين عنهم.
وقال حفظه الله: ومن الأقوال القبيحة التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهلها بقوله: " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم ".وفيه التصريح بالتحذير من الأخذ عن أهل البدع وغيرهم منالكذابين.
وقال حفظه الله: وما يدري المسكين أن الجرح يتضمن التحذير وأن التحذير لا يكون إلا من المجروحين سواء كان الجرح بكذب أو فسق أو كفر أو ببدعة، كل هؤلاء يشملهم الجرح ويشملهم التحذير.
وتذكروا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم ".وهذا يشمل الكَذَّابين والدَّجَّالين ودعاة البدع الضالين ولا سيما المقَعِّدين منهم والمؤصلين الذين يأتون بأصول وقواعد باطلة مما لم يعرفه أهل العلم والسنة ولا آباؤهم ولا أسلافهم.
ثم قال حفظه الله: وكل أئمة الجرح والتعديل على هذا المنهج يدخلون في الجرح كل أنواع المجروحين من الزنادقة والمبتدعين والكذابين وسائر الضعفاء على اختلاف أنواعهم.ا.هـ
وقال حفظه الله في شريط المنهج التمييعي وقواعده: فإذا كان الراوي مبتدعا منعوا من الأخذ عنه، وإذا كان كذابا وإن كان ينتمي إلى السنة لايقبل منه الحديث أو غيره من العلوم، فهدف جرح المبتدعين وجرح الرواة أمر واحد، ودوافعه واحدة: الحفاظ على الدين وحمايته، لكن أهل الأهواء المساكين المنغمسين في البدع أو المقدسين لأهل البدع يتلاعبون بعقول الناس ويميعون دين الله ويأتون بمثل هذه التفريقات الفارغة الكاذبة التي تدل على الجهل والهوى"اهـ
إذن ليحذر سالك الطريق إلى الله أن يلعب أحد بعقله، والله تعالى ماتركه محتارا مترددا، بل العلماء ولله الحمد متوافرون وعلمهم مدون وكتبهم مرصوص بها المكتبات، مايحتاج الشخص إلا إلى همة عالية وصبر على الطلب بعد سؤال الله المعونة والتوفيق.

نقل الأخ أبو واقد
وفقه الله في مشاركة له هذا النقل عن الشيخ ربيع حفظه الله:قال العلامة المحدّث الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله :(الكذب أخبث من البدع يا إخوان والكذَّاب أخبث عند أهل السنة من المبتدع، المبتدع يُروى عنه ,رَوَوْا عن القدرية رَوَوْا عن المرجئة ورَوَوْا عن غيرهم من أصناف أهل البدع ما لم تكن بدعة كفرية ما لم يكن كذاباً.
لو كان ينتمي إلى أهل السنة كذَّاب فهو عندهم أحــطّ من أهل البدع ومن هنا عقد ابن عدي-رحمه الله- في كتابه "الكامل" حوالي تسعة وعشرين باباً للكذَّابين وباباً واحداً لأهل البدع. وقَبِل أهل السنة رواية أهل البدع الصادقين غير الدعاة).

[من اجابة على سؤال وجه لفضيلته في المحاضرة التي افتتح بها دورة الإمام عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-العلمية بمسجد الملك فهد -رحمه الله-مدينة الطائف بتاريخ 22/06/1426هـ]
أقول: إذا كان الكذاب أحط من أهل البدع، إذن يجب أن تكثف الجهود في معرفة هذا الصنف من الناس وأن لايؤخذ عنه العلم وأن يعرف بحاله، وأن يكون الطالب للهدى والرشاد على حذر منه، وعلى الانسان أن يحتاط لدينه ويبحث ويتحرى عن من يأخذ العلم، فالسلف كانوا لايأخذون ولا يروون عن الكذابين.