الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ؛ أما بعد ؛
فهذا الدرس الأول من شرح ثلاثة الأصول وأدلتها.
الأصول، جمع أصل: وهو ما يبنى عليه غيره ، والأصول الثلاثة التي يريدها المؤلف رحمه الله بني عليها دين الإسلام بالكامل ، وسيذكرها ويذكر أدلتها.
والدليل هو المرشد إلى المطلوب، وهذه الرسالة التي بين أيدينا كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي أحد علماء الإسلام وجهابذة السنة، من أهل السنة والجماعة، كانت له دعوة قوية وكان له دور في قمع الشرك وإزالته ونشر التوحيد والسنة في بلاد نجد والحجاز وغيرها، وانتفع به خلق كثير من عباد الله تبارك وتعالى ، وهو من علماء نجد ، درس فيها وفي العراق وفي الحجاز، وفي غيرها من البلاد، توفي - رحمه الله – سنة ألف ومائتين وستة (1206هـ)، له كتب كثيرة أكثرها في العقيدة ، كتب - رحمه الله - هذه الرسالة ؛ ليعلم الناس ما يجب عليهم تعلمه من أصول دينهم: معرفة الله، ومعرفة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة دين الإسلام. وقد ذكر ذلك وذكر أدلته من الكتاب والسنة ؛ كي يعلم الناس أن دين الله يؤخذ من كتاب الله ومن سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، لا يؤخذ من العقول والآراء والأهواء، دين الله اتباع وليس ابتداع .
المؤلف – رحمه الله – لم يأت بشيء من عنده، ولا جاء بدين جديد، وإنما جدد ما اندرس مما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – في وقته .
ولو أنه - أعاذه الله من ذلك- جاء بما هو جديد -هو أو غيره - لما قبلناه منه، ولرددناه عليه ، فالواجب علينا ؛ اتباع الكتاب والسنة ، لا اتباع الرجال ، ولا يجوز لنا أن نعظم الرجال ونتعصب لهم على حساب دين الله – تبارك وتعالى -، وإنما يؤخذ الحق بدليله من أيٍّ كان، هذا هو الدين الذي جاءنا به محمد – صلى الله عليه وسلم -، وبه نتمسك وعليه نحيا وعليه نموت.
والحق ضالة المؤمن.
وأعظم أمور الدين العقيدة ، فهي الأساس، وعليها يبنى العمل.
والعقيدة لغة: مأخوذة من العقد والربط والشد بقوة ، هذا من حيث اللغة. واصطلاحاً : ما يُعقد عليه القلبُ ، والمنهج هو الطريق الواضح ، منهج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هو طريقه .
وبين العقيدة والمنهج عموم وخصوص مطلق، فالعقيدة من المنهج، والمنهج أعم، المنهج تدخل فيه العقيدة، والفقه، والمعاملات ، والأخلاق، ، والآداب، وكل ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو داخل في المنهج.
قال المؤلف – رحمه الله - : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .
ابتدأ المؤلف - رحمه الله - بالبسملة، اقتداءً بكتاب الله تبارك وتعالى، فهو مبدوءٌ بالبسملة، وكذلك اقتداءً بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فإنه عليه الصلاة والسلام كان يقتصر عليها في مراسلاته، من دون الحمد كما في كتابه لهرقل عظيم الروم ، ففي الرسائل كان – صلى الله عليه وسلم – يبدأ بالبسملة ، وأما في الخطب والمحاضرات فكان يبدأ بالحمدلة، والصلاة على نفسه – صلى الله عليه وسلم -.
ومعنى البسملة هنا: أي أكتب مستعيناً بالله ذو الرحمة .
وننبه على أن الحديث الذي يذكره كثير من المصنفين في موضع البسملة : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فهو أقطع " ، حديث ضعيف ، لا يصح .
وإنما يبدأ المؤلفون الذين لا يحتجون بهذا الحديث بالبسملة ؛ اقتداءً بكتاب الله – تبارك وتعالى – وبسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في رسائله، لا بذاك الحديث.
قال المؤلف – رحمه الله - : ( اعلم رحمك الله) .
اعلم، هذه الكلمة يأتي بها المصنفون لإثارة الانتباه ، كما يستعمل كثير من عامة الناس اليوم ، كلمة ( اسمع ) ، فيقولون قبل بدء الكلام : ( اسمع، اسمع)، يثير انتباهك ، فتنتبه وتركز على ما سيقول بعد ذلك.
والعلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً ، إدراك الشيء على ما هو عليه : أي على حقيقته ، وضده الجهل، وهو نوعان: جهل بسيط، وجهل مركب.
أما الجهل البسيط: فهو عدم العلم بالكلية، تُسأل ما حكم صلاة الاستخارة مثلا ، فتقول: لا أدري ، هذا جهل بسيط .
الجهل المركب: هو إدراك الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع ، كأن تُسأل: ما حكم الزكاة ؟ فتقول: مستحبة.
هذا جهل مركب ، سمي جهلا مركبا ؛ لأنه ركب جهل على جهل ؛ فكان جاهلاً لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري ، جهل أول وجهل ثانٍ، وهذا أعظم من الأول.
قال – رحمه الله - : ( اعلم - رحمك الله - أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل ) .
هذه كالمقدمة بين يدي الأصول الثلاثة ، بدأ المؤلف – رحمه الله – بأربع مسائل، ثم ذكر ثلاث مسائل ، ثم بدأ بالأصول الثلاثة .
قال: اعلم رحمك الله، هذا دعاء ؛ تلطف، أسلوب حسن جميل يتلطف مع طلبة العلم فيدعو لهم بالرحمة.
وهذا من اللطف واللين في الدعوة والتعليم، وهو مطلوب : اللطف واللين مطلوب ؛ لترغيب الناس بالخير ، قال الله تبارك وتعالى لنبيه { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } .
وقول المصنف : ( يجب علينا تعلم أربع مسائل ) ؛ الواجب لغة هو اللازم والساقط ، اصطلاحاً: ما أمر به الشارع على وجه الإلزام .
والواجب نوعان : واجب كفائي، وواجب عيني .
الواجب الكفائي : إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين ، كـ ( تكفين الميت ودفنه ) إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، وإن لم يقوموا به جميعاً أثم كل من علم بموت الميت ، هذا واجب كفائي .
أما الواجب العيني : فهو الواجب على كل مسلم بعينه ؛ كالصلاة والصيام .
الوجوب في كلام المؤلف هو الوجوب العيني، على كل مسلم أن يتعلم هذه المسائل الأربع.
والمسائل: جمع مسألة من السؤال، وتعريفها عند أهل العلم: ما يبرهن عنه في العلم . والله أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق