والحديث الأول
حديث جابر يدل على عدم جواز الصيام في السفر لمن شق عليه الصوم لقول النبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أولئك العصاة أولئك العصاة " .
والحديث الثاني وهو حديث حمزة بن عمرو يدل على
جواز الصيام في السفر لمن لم يشق عليه .
وقد اختلف أهل
العلم في حكم صوم رمضان في السفر ؛ فقالت طائفة من العلماء : لا يجزئ الصوم عن الفرض في السفر ، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر ؛ أي أبطلوا صوم الفرض في حال السفر مطلقا ، واحتجوا بقول الله تعالى { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَو ْعَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.
قالوا : فالواجب عليه أيام أُخَر غير أيام السفر والمرض .
واحتجوا بالحديث الأول أيضا الذي معنا ( حديث
جابر ) .
وكذلك
احتجوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " ليس من البر الصيام في السفر " هذا قول .
وقال جمهور علماء الإسلام
- وهو الصواب - بأن صيام رمضان في السفر جائز وهو صحيح ، ولا يجب على من صام رمضان وهو مسافر لا يجب عليه أن يقضي .
ومعنى الآية عندهم
{ فمن كان منكم مريضاً أو على سفر } فأفطر { فعدة من أيام أخر} .
وإن
لم يفطر وصام فصيامه صحيح ، واستدلوا بالأحاديث الكثيرة التي تدل على صحة الصيام في السفر منها حديث حمزة بن عمرو الذي تقدم معنا فقد قال له النبي - صلى الله عليه وسل :" هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لحمزة هاهنا بالصيام في السفر ؛ دل ذلك على جوازه .
ومنها أيضاً حديث أنس " كنا
نسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " .
ومنها حديث أبي الدرداء
قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر ، وما فينا صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة .
فهذا كله
يدل على جواز الصيام في السفر .
فيكون معنى الآية غير ما ذهب إليه الأولون
.
وأما
قوله - صلى الله عليه وسل "أولئك العصاة " ؛ فهي واقعة عين ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أولئك القوم الذين تركوا الإقتداء به مع أنه فعله كي يقتدوا به ، فأفطر هو عليه الصلاة والسلام ليقتدوا به فلم يفعلوا فقال : " أولئك العصاة " لعدم اقتدائهم به عليه الصلاة والسلام .
وأما
حديث " ليس من البر الصيام في السفر " فمعناه أن الصيام في السفر ليس من البر الذي يُتسابق إليه ويُتنافس فيه ؛ فقد يكون الفطر أفضل من الصيام في السفر إذا كان هناك مشقة أو كان الفطر يساعد على الجهاد مثلا ، والله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه وكما يكره أن تؤتى معاصيه .
وسبب هذا الحديث ، حديث
" ليس من البر الصيام في السفر " ؛ سببه يدل على ذلك .
فسببه أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - كان في أحد أسفاره فرآى الناس متزاحمين ورجل قد ضُلّل عليه فسألهم عن أمره ؟ فقالوا : إنه صائم وبلغ به الظمأ هذا الحد فقال - عليه الصلاة والسلام - :" ليس من البر الصيام في السفر " ، أي الصيام الذي يؤدي بالشخص إلى هذه الحال ، هذا ليس من البر.
واختلف أهل
العلم في مسألة أخرى ، وهي هل الأفضل الصيام أما الفطر في السفر ؟
الذين يقولون
بأن صيام رمضان صحيح في السفر اختلفوا فمنهم من قال : الصيام أفضل .
ومنهم من قال : بل الفطر أفضل
.
ومنهم من قال
: هما سواء .
فذهب مالك
والشافعي إلى أن الصوم أفضل لمن لا يلحقه مشقة .
وذهب الإمام أحمد إلى أن الفطر أفضل
ولو لم يلحق الصائم مشقة .
والظاهر
- والله أعلم - أن الشخص يختار ما هو أخف عليه وأبعد عن المشقة هذا الأفضل . والله أعلم
وأما متى يفطر
المسافر الذي عزم على السفر ؟ المسافر الذي عزم على السفر له أن يفطر متى استعد للسفر وعزم عليه وجهز أموره وقارب على الانطلاق ، لحديث ابن عباس في البخاري خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في رمضان إلى حُنين ، والناس مختلفون ؛ فصائم ومفطر ، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته أو على راحته ثم نظر الناس المفطرون أفطروا .
وعن
أنس أنه رُحِّلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقيل له سنة ؟ قال : سنة ، ثم ركب .
أي أنه أكل قبل
أن يركب بعد أن عزم على السفر واستعد له هذا هو وقت الإفطار بالنسبة لمن عزم على السفر .
قال الترمذي رحمه الله : وقد
ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا : للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج ، وليس له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية . وهو قول إسحاق بن راهويه رحمه الله .
ثم قال المؤلف
رحمه الله : وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : رُخّص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه " رواه الدارقطني والحاكم وصححه .
هذا صحيح عن
ابن عباس رحمه الله ورضي الله عنه ، وأصله ما أخرجه البخاري عن ابن عباس أنه قال : في قول الله تعالى { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة ٌطَعَامُ مِسْكِينٍ } قال ابن عباس : ليست منسوخة ، هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا . رواه البخاري .
وخالفه في
هذا سلمة بن الأكوع وعبد الله بن عمر فقالا : إن الآية منسوخة بقول الله تبارك وتعالى { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } أي كان في بداية فرض الصيام من أراد أن يفطر وهو قادر على الصيام ؛ فله أن يفطر إذا أطعم .
فله أن
يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا هذا ما فُرض بداية ، ثم نُسخ ذلك بقول الله تبارك وتعالى { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } .
وهذا القول أصح وأقوى من قول ابن عباس ؛ لأن ظاهر الآية يُسنده فمعني قول الله تبارك وتعالى { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } على الذين يستطيعون عليه ويقدرون عليه .
فقول سلمة
بن الأكوع وابن عمر أصح وأقوى إن شاء الله .
واختلف أهل العلم فيمن
لا يقدر على الصيام مطلقا سواء كان لمرض أو لكبر سن لا يقدر على الصيام ماذا عليه ؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا .
واستدلوا بقول ابن عباس
.
وذهب
المالكية وبعض الشافعية وأبو ثور وابن المنذر وربيعة ومكحول وغيرهم إلى عدم وجوب الإطعام ، فقالوا : يفطر وما عليه شيء ؛ إذ لم يكلفه الله سبحانه وتعالى إلا بالصيام ولم يستطع عليه ؛ فسقط عنه الصيام ولا يوجد دليل يدل على وجوب الإطعام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق