وكذلك من كان يعلم من نفسه أنه يُنزِل المني لأن
إنزال المني يفطر على الصحيح ، وإن كان في المسألة خلاف لكن على الصحيح أنه يفطر .
فمن
كان قادراً على أن يضبط نفسه عن الجماع وعن الإنزال فيجوز له أن يقبل وأن يباشر وهو صائم ، ومن لم يكن قادراً على ضبط نفسه فلا يجوز له أن يفعل ذلك خشية أن يقع في المحظور .
وفي الرواية التي ذكرها مسلم في قوله : " في رمضان " دليل على أنه لا فرق
بين صيام الفرض وصيام النفل في المباشرة والتقبيل .
وقد اختُلِف في القبلة والمباشرة
للصائم اختلف العلماء في حكم هذه المسألة ؛ فكرهها قوم مطلقاً في الصيام ، وهو مشهور عند المالكية .
وقال آخرون بالتحريم واحتجوا بقوله تعالى
{ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرَ } فقالوا هنا أَذِن بالمباشرة فقط قبل طلوع الفجر الصادق ، أما إذا طلُع الفجر فلا تجوز المباشرة .
لكن الصحيح أن المباشرة المراد هنا في الآية الجماع
، وليست المباشرة التي فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم .
وبعض أهل العلم
أباح القبلة مطلقاً ، وبالغ البعض فاستحبها بناء على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها ، لكن الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها لبيان الجواز .
وفرّق آخرون
بين الشاب والشيخ فكرهوها للشاب وأباحوها للشيخ .
وجاء في هذا حديث عند أبي داود عن
أبي هريرة أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه .
فإذا الذي رخص له شيخ ، والذي نهاه شاب
.
شيخ أي رجل كبير .
والرجل عندما يكبر تضعف شهوته ، أما الشاب فشهوته تبقى قوية ؛ لذلك فرقوا بين الشيخ والشاب ، قالوا : الشيخ يستطيع أن يضبط نفسه كون شهوته ضعيفة ، بخلاف الشاب شهوته قوية فلا يستطيع أن يضبط نفسه .
لكن هذا الحديث ضعيف لا يصح ، هذا الحديث في سنده راوٍ
مجهول الحال .
والذي يدل على أنه لا فرق بين الشيخ والشاب أنه جاء في صحيح مسلم
من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيقبل الصائم ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام – "سَل هذه " لأم سلمة ، فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك أي يقبل وهو صائم فقال : يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له " .
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن له أن أفعاله يُتأسّى
بها ، وإذا كان هو أتقانا لله وأخشانا له وكان يقبل ويباشر وهو صائم إذاً فيجوز لنا أن نقبل ونباشر ونحن صيام والشاهد هنا - رداً على الذين قالوا بالتفريق بين الشيخ والشاب - أن عمر بن أبي سلمة حينئذ كان شاباً وكان صغيراً فهذا دليل على أن الشاب داخل في هذا الحكم ( أي في جواز التقبيل ) والمباشرة .
وقال الترمذي رحمه الله : ورأى
بعض أهل العلم أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإلاّ فلا ليسلم له صومه ، وهو قول سفيان والشافعي .
وهذا هو الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز للشاب وللشيخ أن يقبل وأن
يباشر إذا استطاع أن يملك نفسه أو إذا علم من نفسه أنه قادر على أن يملك نفسه عن الجماع وعن الإنزال .
وقال المؤلف رحمه الله : وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم " رواه البخاري
الحجامة هل تفطر أم لا تفطر ؟ هل تفسد الصيام أم لا تفسد الصيام ؟ ذكر المؤلف الحديث الأول عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم وهو محرم واحتجم وهو صائم " رواه البخاري
والحديث الثاني
وعن شداد بن أوس أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان فقال : أفطر الحاجم والمحجوم " رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان
والحديث الثالث
وعن
أنس بن مالك قال : أول ما كُرِهَت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أفطر هذان " أي الحاجم والمحجوم ثم رخّص النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم . رواه الدارقطني وقواه .
هذه ثلاثة أحاديث ، الحديث الأول والحديث الأخير يدلان على أن الحجامة لا تفسد الصيام ، والحديث الثاني يدل على أن الحجامة تفسد الصيام .
أولاً نبدأ بحال هذه الأحاديث .
أما الحديث الأول فأخرجه البخاري فهو صحيح
، وإن كان منتقداً فبعض أهل العلم ضعفه لكن الصحيح أنه صحيح كما على ما ذهب إليه الإمام البخاري رحمه الله .
والحديث الثاني حديث شداد بن أوس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أفطر الحاجم والمحجوم " هذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
وجاء
عن جماعة من الصحابة ، وليس فقط عن شداد ابن أوس ؛ لكن أصح ما ورد فيه حديث شداد وحديث ثوبان .
وصحح حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " الإمام أحمد وعلي بن المديني وغيرهما
وأدخله شيخنا الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح من حديث شداد ومن حديث ثوبان وقوّى أحدهما بالآخر .
الحديث صحيح بمجموع طرقه
.
وأما حديث أنس بن مالك الأخير
الذي أخرجه الدارقطني فهو من حديث خالد بن مخلد عن عبد الله بن المثنى .
وخالد بن
مَخلد وإن كان محتجاً به إلا أن له مناكير ، وعبد الله بن المثنى ضعيف لا يُحتج به .
قال ابن عبد الهادي في كتابه التنقيح بعد أن حكم على هذا الحديث بالنكارة قال : هذا
حديث منكر لا يصح الاحتجاج به لأنه شاذ الإسناد والمتن .
وكيف يكون هذا الحديث صحيحاً
سالماً من الشذوذ والعلة ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، ولا هو في المصنفات المشهورة ، ولا في السنن المأثورة ، ولا في المسانيد المعروفة ، وهم يحتاجون إليه أشد احتياج ولا نعرف أحداً رواه في الدنيا إلا الدارقطني ، رواه عن البغوي عن عثمان بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد به ، قال : وكل من رواه بعد الدارقطني إنما رواه من طريقه قال : ولو كان معروفاً لرواه الناس في كتبهم وخصوصاً الأمهات كمسند أحمد ومصنف ابن أبي شيبة ومعجم الطبراني وغيرهم إلى آخر كلامه رحمه الله .
مرادي من ذكر
كلام ابن عبد الهادي التنبيه على قاعدة يذكرها أهل العلم أشار إليها ابن عبد الهادي هاهنا : أن الحديث إذا لم يكن في الصحاح ولا في السنن المشهورة المعروفة ولا في المسانيد المعتبرة وجاء في كتاب عرف برواية الغرائب والمناكير أو في جزء من الأجزاء أو في كتاب من الفوائد ؛ فلا يعني ذلك أن تعول على هذا الحديث فما أعرض عنه هؤلاء الأئمة الكبار أصحاب الصحاح وأصحاح السنن وأصحاب المسانيد ما أعرضوا عنه إلا لأنه من المنكرات الواهيات لذلك تركوه .
ومن عجيب ما نرى من بعض طلبة العلم أنه يأتي
بحديث وجده في جزء فلان في جزء هلال الحفار أو في جزء ابن عرفة أو في فوائد فلان أو في الكامل لابن عدي الذي عُرف بتخريج مناكير الرواة ، ويقول لك : هذا حديث صحيح !!
يا أخي لو كان الحديث صحيحاً لما أعرض عنه أئمة هذا الفن ولما جعلوه
من مناكير فلان ، كونهم جعلوه من مناكير فلان إذاً فهو منكر ، حديث واهٍ ، لذلك أعرضوا عنه وتركوه وجعلوه من مناكير فلان وأنكروه على فلان ، فلا يصح مثل هذا التصرف .
فمثل هذا الحديث الذي بين أيدينا تفرد بتخريجه الدارقطني ،
والدارقطني في سننه معروف بأنه يخرج الأحاديث الغرائب والمنكرة فعندما يتفرد الدارقطني بتخريج حديث كهذا مع وجود راويين من الرواة الذين عرفوا برواية المناكير والأحاديث الضعيفة .
فنعلم من ذلك أن هذا الحديث منكر لا يعول عليه ولا يُنظر إليه
.
فهذا الحديث حديث ضعيف وهو منكر كما قال ابن عبد الهادي رحمه الله
.
أما معنى الحجامة
فالحجامة هي مص الدم من الجرح بعد الشرط .
هذا تعريفها بعد شرط الجلد ومص الدم منه
هذا يسمى حجامة إما أن يكون المص بالفم أو بآلة كالكأس .
واحتجم أي طلب الحجامة .
والحجّام من احترف هذه المهنة .
والبقيع
مكان في المدينة .
وأما حكم الحجامة فقد اختلف
العلماء فيها بناء على اختلاف الروايات التي وردت في هذه المسألة .
فالحديث الأول
الذي معنا يدل على أن الحجامة لا تفطر الصائم .
والحديث الثاني وهو " أفطر الحاجم
والمحجوم " يدل على أن الحجامة تفطر .
فقال بعض أهل العلم : الحجامة تفطر واستدلوا
بحديث شداد وضعفوا حديث ابن عباس ، الحديث الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم ( ضعّفوه ) وبهذا القول قال عبد الله ابن المبارك والإمام أحمد وغيرهم .
وقال بعضهم : الحجامة لا تفطر ومنهم الإمام الشافعي واستدلوا بحديث ابن عباس
أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم ، وذكروا أنه ناسخ لحديث أفطر الحاجة والمحجوم وبهذا القول قال مالك ابن أنس والثوري وجمهور أهل العلم .
والصحيح في
هذه المسألة أن الحجامة لا تفطر لحديث ابن عباس احتجم وهو صائم وورد عن جماعة من الصحابة أنهم احتجموا وهم صيام أو رخصوا في ذلك .
جماعة من الصحابة أفتوا بذلك
وأخرج البخاري في صحيحه أن أنس بن مالك سئل أكنتم تكرهون الحجامة للصائم ؟ قال : لا إلا من أجل الضعف ، وفي رواية " أكنتم تكرهون الحجامة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - " .
إذا قلنا بأن الحجامة لا تفطر فما
معنى أفطر الحاجم والمحجوم ؟ قال البغوي رحمه الله : أي تعرضا للإفطار ، أما الحاجم فلأنه لا يأمن وصول شيء من الدم إلى جوفه ؛ لأنه عندما يحجم يمص بفمه ، فإذا مص بفمه لا يأمن أن ينزل الدم إلى جوفه فيفطر في هذه الحالة .
وأما المحجوم فلأنه لا يأمن ضعف
قوته بخروج الدم فيؤول أمره إلى أن يفطر .
وهذا أصح ما قيل في هذه المسألة وحديث أنس
يدل على ذلك ( حديث أنس الذي أخرجه البخاري ) يدل على ذلك دلالة واضحة .
وقال
الإمام الشافعي رحمه الله فإن توقى أحد الحجامة كان أحب إلي احتياطاً ، قال : والذي أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم أنه لا يفطر أحد بالحجامة والله أعلم
.
وبناء على مسألة الحجامة تنبني عندنا مسألة التبرع بالدم هل التبرع بالدم يفطر أم لا يفطر ؟ الصحيح أنه لا يفطر حملاً له على مسألة الحجامة فإذا قلنا بأن الحجامة تفطر قلنا بأن التبرع بالدم يفطر ، وإذا قلنا بأن الحجامة لا تفطر وهو الصحيح قلنا بأن التبرع بالدم لا يفطر .
ومع ذلك نقول : الأحوط توقي ذلك فهو أفضل لكن بالنسبة
للتبرع بالدم أحياناً الإنسان يضطر إلى ذلك .
المسألة الأخيرة في يومنا هذا مسألة
الكحل
قال المؤلف رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- اكتحل في رمضان وهو صائم " رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف
وقال الترمذي لا يصح في هذا الباب شيء .
في مسألة الاكتحال ، هل الكحل يفطر أو لا يفطر ؟ لا يصح فيه شيء عن النبي
- صلى الله عليه وسلم - كما قال الترمذي رحمه الله .
فقد ضعّف أهل الحديث الأحاديث
الواردة في ذلك ...يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.