الأربعاء، 27 يوليو 2011

وبل الغمامة شرح عمدة الفقه لابن قدامة ( كتاب الصيام : (8)




1) قوله:=وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ+: أي من أكل أو شرب فسد صومه لقوله تعالى:[.. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ..].

لكن يشترط لفساد الصوم بالأكل والشرب ما يلي:

(1) أن يكون ذاكراً، فإن كان ناسياً فلا يفطر بذلك، وهذا هو قول الجمهور(1). دليل ذلك قوله ":=مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ+(2). ولعموم قوله تعالى:[رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا..](3)، قَالَ قَدْ فَعَلْتُ+(4).

وذهب المالكية(5)، إلى أن من نسي في رمضان فأكل أو شرب عليه القضاء، أما لو نسي فأكل أو شرب في غير رمضان فإنه يتم صومه.

والصحيح قول الجمهور كما ذكرنا.

لكن يجب تذكير الناسي إذا كان يأكل أمامك لقوله تعالى[وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى..] (6).

(2) أن يكون متعمداً، فإن كان قد أدخل إلى جوفه أكلاً أو شرباً من غير

تعمد منه فلا يفطر بذلك لقوله تعالى:[وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ


..................................................................................................................


وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ..] (7).

(


__________


(1) انظر في ذلك: روضة الطالبين (2/356)، المغني (4/364، 365).

(2) أخرجه البخاري ـ كتاب الأيمان والنذور ـ باب إذا حنث ناسياً في الأيمان (6176)، مسلم ـ

كتاب الصيام ـ باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر (1902).


(3) سورة البقرة: 286.

(4) أخرجه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ..(180).

(5) القوانين الفقهية، ص83.

(6) سورة المائدة: 2.

(7) سورة الأحزاب: 5.

______________________________________

والقيء إذا خرج بنفسه أي غلب القيء الصائم فلا خلاف بين الفقهاء في عدم الإفطار به قل القيء أم كثر، لكن بشرط أن لا يدخل منه شيء إلى جوفه باختياره.
دليل ذلك ما رواه أهل السنن عن أبي هريرة ÷ عن النبي " قال:=مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ+(1)، ومعنى ذرعه القيء: غلبه.
قلت: وذهب بعض العلماء(2) إلى أن القيء لا يفطر مطلقاً، وضعف حديث أبي هريرة المتقدم =مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ+.
وقال أيضاً: مما يدل على ضعف الحديث أن أبا هريرة ÷ كان يقول بعدم الفطر بالقيء، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة ÷ قال:=إِذَا قَاءَ فَلا يُفْطِرُ إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلا يُولِجُ+(3).
..................................................................................................................
وقال أيضاً نقل عن ابن بطال عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما عدم الإفطار بالقيء مطلقاً ذرعه أو تعمده.
قال القرضاوي(4) في كتابه =فقه الصيام+ بعد ذكر ما أوردناه: والحقيقة أن التفطير بالقيء لا يتفق مع مقاصد الصيام، وقد جاء في حديث مرفوع آخر ما يعارض، هذا وهو ما روي عنه عليه الصلاة والسلام:=ثَلاثٌ لا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ وَالْقَيْءُ وَالاحْتِلامُ+ (5).
__________
(1) أخرجه الترمذي(653)،أبو داود(2032)،ابن ماجة(1666)،وصححه الألباني في الإرواء(930).
(2) انظر في ذلك:
كتاب الصيام للقرضاوي، ص91، 92.
(3) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب الحجامة والقيء للصائم.
(4)
كتاب الصيام للقرضاوي، ص91، 92.
(5) أخرجه الترمذي، وابن خزيمة، وضعفه الألباني في صحيح ابن خزيمة رقم (1978).

___________________________________________

والصحيح أنه مفطر لقوله ":=كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي..+(1). والاستمناء بلا شك شهوة، لكن يجب أن يقيد الاستمناء بالإنزال، أما إذا لم ينزل فلا شيء عليه.
(2) قوله:=أَوْ قَبَّلَ، أَوْ لَمَسَ، فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى+: فإنه يفطر.
قلت: قال في الشرح الكبير(2):=المقبِّل لا يخلو من ثلاثة أقسام:
..................................................................................................................
أحدهما: أن يكون ذا شهوة مفرطة يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزلـ أو أمذى، فهذا تحرم عليه القبلة لأنها مفسدة لصومه أشبهت الأكل.
الثاني: أن يكون ذا شهوة لكنه لا يغلب على ظنه ذلك فيكره له التقبيل لأنه يعرض نفسه للفطر ولا يأمن عليه الفساد، ولأن العبادة إذا منعت الوطء منعت دواعيه كالإحرام، ولا تحرم القبلة في هذه الحال لما روي =أن رجلاً قبل وهو صائم فأرسل امرأته فسألت النبي " فأخبرها النبي " أنه يقبل وهو صائم+(3).
الثالث: أن يكون ممن لا تحرك القبلة الشهوة عنده كالشيخ الكبير ففيه، روايتان:
إحداها: لا تكره له لأنها مباشرة لغير شهوة أشبهت لمس اليد لحاجة.
الثانية: أنه يكره لأنه لا يأمن حدوث الشهوة، ولأن الصوم عبادة تمنع الوطء، فاستوى في القبلة فيها من تحرك شهوته ومن لا تحرك كالإحرام+انتهى كلامه مختصرًا.
__________
(1) أخرجه مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب فضل الصيام (1945).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/482، 483).
(3) أخرجه مالك في الموطأ (3/416)، والبيهقي في السنن والآثار(7/159)، والشافعي في مسنده(1/240).

_________________________________________

قلت: والذي يظهر لي أن القبلة لا بأس بها مطلقاً لقول عائشة رضي الله عنها:=كَانَ النَّبِيُّ " يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ+(1).
فمتى ملك الإنسان إربه ـ يعني شهوته ـ جاز له ذلك، فمجرد القبلة لا تفسد الصوم إلا إذا كان معها إنزال، لكن من خشي الوقوع في المحذور فلا يقبل.
أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ حَتَّى أَنْزَلَ (1)،
..........................................................................
لكن إذا قبل، أو لمس فأمذى هل يفسد صومه؟
إذا قبل أو لمس وباشر فأمذى فالمذهب(2)، وهو قول مالك(3) أنه يفسد صومه، واختار شيخ الإسلام(4) عدم إفساد الصوم بالمذي، وهو قول أبي حنيفة(5)، والشافعي(6)، واستظهر هذا القول صاحب الفروع(7)، وصوَّبه صاحب الإنصاف(8)، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين(9) وهو الراجح عندي.
(1) قوله:=أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ حَتَّى أَنْزَلَ+: أي إذا كرر النظر إلى ما فيه تهييج لشهوته حتى أنزل بذلك فإنه يفطر وتكرار النظر على ثلاثة أحوال:
الأول: أن يكرر النظر ولا يقترن بذلك إنزال فلا يفسد الصوم بغير خلاف.
__________
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب المباشرة للصائم(1792)، مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة(1854).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/417، 418).
(3) حاشية الدسوقي (1/529)، جواهر الإكليل (1/150)، القوانين الفقهية، ص81.
(4) الاختيارات الفقهية، ص123.
(5) الدر المختار (2/98).
(6) حاشية القليوبي (2/59)، المجموع (6/350).
(7) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/417، 418).
(8) المرجع السابق.
(9) الشرح الممتع (6/376).

_______________________________________________

وهذا لم يعمل ولم يتكلم إنما حدث نفسه، ونلاحظ أن المذهب يفرق بين الفكر والنظر، فالفكر لا يمكن التحرز منه بخلاف النظر فإنه يمكن التحرز منه، فإن أنزل بالفكر لا يفطر وإن أنزل بالنظر أفطر.
والصحيح كما ذكرنا أنه لا يفطر بالفكر ولا بالنظر.
(1) قوله =أَوْ قَطَّرَ فِيْ إِحْلِيْلِهِ+: الإحليل هي ما تسمى بقناة الذكر، فلو دخل عن طريقها مفطر من المفطرات فإنه لا يفطر لأن الذَّكر ليس طريقاً إلى الجوف، وما أدخل عن طريق الإحليل لا يسمى أكلاً ولا شرباً.
(2) قوله =أَوِ احْتَلَمَ+: أي نام وفي أثناء نومه احتلم، فإنه لا يفطر بذلك لأنه غير قاصد، وقد رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ لكن يلزمه الغسل.
? فائدة: من أجنب مثلاً ثم أصبح صائماً فصومه صحيح ولا قضاء عليه عند جمهور العلماء وذلك لحديث عائشة، وكذا أم سلمة رضي الله عنهما قالتا:=إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ " لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلامٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ يَصُومُ+(1).
لكن قد يقول قائل: أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو القاري قال سمعت أبا هريرة يقول: =لا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا أَنَا قُلْتُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلا يَصُومُ مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْبَيْتِ قَالَهُ
... +(2)، كيف يجاب عن هذا؟
نقول: بأن العلماء أجابوا عن هذا الحديث فقالوا بأنه يحمل على النسخ أو=
أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (1)، وَمَنْ أَكَلَ يَظُنُّهُ لَيْلاً، فَبَانَ نَهَارًا، أَفْطَرَ (2)، وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِيْ طُلُوْعِ الْفَجْرِ،لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ(3)،وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِيْ غُرُوْبِ الشَّمْسِ فَسَدَ صَوْمُهُ(4)
__________
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب اغتسال الصائم(1796) مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (1867).
(2) أخرجه أحمد في مسند أبي هريرة ÷(7083)، وصححه الألباني في الصحيحة (1/10) رقم (1012).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.