دليل سنية صيام ثلاثة أيام من كل شهر ما رواه الترمذي عن أبي ذر ÷أن النبي " قال:=.. مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ..+(1).
وَالاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيْسِ(1)،
.................................................................................
وأيضاً ثبت عنه " أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم =أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ " يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ قَالَتْ نَعَمْ فَقُلْتُ لَهَا مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ قَالَتْ لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ+(2).
فتعيين صيام الثلاثة أيام من كل شهر في الأيام البيض إنما هو على سبيل الأفضلية، وقد ورد عند الترمذي من حديث أبي ذر ÷ أن النبي " قال له =إِذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ+ (3).
وباستحباب صيام هذه الثلاثة أعني أيام البيض قال جمهور الفقهاء، وذهب المالكية (4) إلى كراهة صوم أيام الليالي البيض فراراً من التحديد ومخافة اعتقاد وجوبها واعتقاد أن الثواب لا يحصل إلا بصيام هذه الثلاث خاصة.
والراجح عندي ما ذهب إليه الجمهور وتعليل المالكية يزول ببيان السنن للناس وتوضيحها لهم.
(
__________
(1) أخرجه الترمذي ـ كتاب الصوم ـ باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر(693)، وصححه الألباني في جامع الترمذي(3/135) رقم (762).
(2) أخرجه مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1974).
(3) أخرجه الترمذي ـ كتاب الصوم ـ باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر(692) وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم(7817)
(4) حاشية الدسوقي (1/517)، مواهب الجليل (2/414).
_______________________________________________
1) قوله =وَالاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيْسِ+: أي ويسن صيام يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع دليل ذلك ما رواه مسلم عن أبي قتادة ÷ أن رسول الله "سئل عن صوم الاثنين فقال =.. فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ+(1).
وجاء في سنن أبي داود وغيرها من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما =
وَالصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيْرُ نَفْسِهِ،إِنْ شَاءَ صَامَ،وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ،وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ(1)
= أن النبي " كان يصوم يوم الاثنين والخميس فسئل عن ذلك؟ فقال:=..إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ " كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ+(2).
(1) قوله =وَالصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيْرُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ+: اختلف الفقهاء في هذه المسألة فالحنفية(3)، والمالكية (4) ذهبوا إلى لزوم صوم التطوع بالشروع فيه وأنه يجب على الصائم المتطوع إتمامه إذا بدأ فيه واحتجوا لذلك بما رواه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي " قال =إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ+(5). فليُصَلِّ أي فليدع.
__________
(1) أخرجه مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1978).
(2) أخرجه أبو داود ـ كتاب الصوم ـ باب في صوم الاثنين والخميس(2080) وصححه الألباني في سنن أبي داود(2/325) رقم(2436)
(3) .تبيين الحقائق (1/377)
(4) حاشية الدسوقي (1/527).
(5) أخرجه مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة (2584).
_____________________________________________________
وذهب الشافعية (1) والحنابلة (2) إلى عدم لزوم صوم التطوع بالشروع فيه ولا يجب على الصائم إتمامه وله قطعه في أي وقت شاء واحتجوا لذلك بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت =..أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا+فأكل (3). وزاد النسائي =..إِنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا+(4).
إِلاَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إِتْمَامُهُمُا، وَقَضَاءُ مَا أَفْسَدَ مِنْهُمَا(1) وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ (2)،
.................................................
والصحيح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة، لكن إن أراد أن يقطع صوم النفل فلا ينبغي أن يقطعه إلا لغرض صحيح لقوله تعالى[وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ](5).
=وَكذالِكَ سَائِرُ التَّطَوُّعِ+: من صلاة وصدقة واعتكاف ووضوء ونحوه.
(1) قوله =إِلاَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إِتْمَامُهُمُا، وَقَضَاءُ مَا أَفْسَدَ مِنْهُمَا +: لقوله تعالى [وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ] (6).
__________
(1) معنى المحتاج(1/448).
(2) المقنع ومعه لشرح الكبير و الانصاف (7/545 -555).
(3) أخرجه مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب جواز صوم النافلة بنية من النهار (1951).
(4) أخرجه النسائي ـ
كتاب الصيام ـ باب النية في الصيام (2283)، وحسنه الألباني في سنن النسائي (4/193) رقم (2322).
(5) سورة محمد: 33 .
(6) سورة البقرة: 196 .
__________________________________________
فمتى أحرم بالحج أو بالعمرة لزمه المضي فيهما ولا يجوز له أن يخرج منهما، ولو أفسدهما وجب عليه المضي فيهما وإتمام ما أفسده وعليه قضاؤهما من العام المقبل إن كانت حجة وعلى الفور إن كانت عمرة، والأصل في ذلك الآية المذكورة أنفاً وهي قوله تعالى [وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ]، ووجه الدلالة من الآية أن أهل التفسير أجمعوا على أنها نزلت في الحديبية لما كان رسول الله " قد أحرم هو وأصحابه بالعمرة وساقوا الهدي فصده المشركون فأنزل الله تعالى هذه الآية يأمر فيها بإتمام الحج والعمرة و يذكر شأن الإحصار.
والأمر بالإتمام في الآية إنما هو لمن دخل متطوعاً، لأن الحج لم يكن قد فرض بعد فإن الآية نزلت سنة ست، والحج إنما فرض بعد فتح مكة. ثم أن الله تعالى أمر بالإتمام مطلقاً، فدخل فيه كل منسّىء للحج والعمرة.
(2) قوله =وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ+: اتفق=
وَنَهىَ عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ(1)،
.............................................................
=الفقهاء على أن صوم يومي العيدين محرم في التطوع والنذر المطلق والمعين أيضاً وكذا القضاء والكفارة دليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ÷ قال =نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ+(1).
__________
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب صوم يوم الفطر (1855)، مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم النحر (1923) واللفظ له.
_______________________________________________________
وأيضاً ما جاء عن عمر بن الخطاب ÷ أنه خطب الناس فقال:=هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ " عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْيَوْمُ الآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ+(1).
والنهي عن صيام هذين اليومين يقتضي الفساد وكذا التحريم.
(1) قوله =وَنَهىَ عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ+: أي ويحرم صيام أيام التشريق وأيام التشريق هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة وسميت بذلك لأن الناس كانوا يشرقون فيها اللحم أي يقددونه ثم ينشرونه في الشمس من أجل أن ييبس حتى لا يتعفن ولا يفسد.
ودليل النهي عن صيام هذه الأيام ما رواه مسلم عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - =أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ+، وزاد في رواية: =وَذِكْرٍ لِلَّهِ+(2). فلا يحل صيام هذه الأيام عند أكثر أهل العلم(3)، وفي رواية في المذهب(4) يجوز صيامها، واحتج له بما جاء عن ابن الزبير وابن عمر ويزيد=
إِلاَّ أَنَّهُ أَرْخَصَ فِيْ صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ، إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ(1)، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ (2)،
.................................................................
=وأبي طلحة رضي الله عنهم أنهم كانوا يصومونها.
__________
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب صوم يوم الفطر (1854)، مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى (1920).
(2) أخرجه مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب تحريم صوم أيام التشريق (1926).
(3) انظر في ذلك: حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح، ص351، بدائع الصنائع (2/78)، القوانين الفقهية، ص78، شرح المحلى على المنهاج (2/60)(4/290)، كشاف القناع (2/342).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/543، 544).
__________________________________________
والراجح عدم جواز صيام هذه الأيام ويحرم صيامها للحديث المتقدم لكن يستثنى من هذا التحريم ما ذكره المؤلف.
(1) قوله =إِلاَّ أَنَّهُ أَرْخَصَ فِيْ صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ، إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ+: اختلفت الرواية (1) في المذهب في صيام أيام التشريق بالنسبة للحاج ففي رواية أنه لا يجوز لأنه نهى عن صيامها.
والرواية الأخرى وهي الراجحة عندي وهي المذهب(2) وهي أيضاً قول المالكية(3) يجوز لما جاء عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أنهما قالا =لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ+(4) وهو حديث صحيح رواه البخاري وغيره. حتى من عليه صيام شهرين متتابعين يجب عليه أن يفطر يوم العيد وأيام التشريق ثم يواصل صيام التتابع من اليوم الرابع عشر من ذي الحجة، والقاعدة عند أهل العلم =أن الصيام الواجب والفطر الواجب لا يقطع التتابع+.
(2) قوله =وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ+: دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - =.. فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْر.. +(5).
وهنا نذكر بعض الفوائد:
..................................................................................................................
? فائدة (1): ليلة القدر اختلف العلماء في تعيينها على أكثر من أربعين قولاً ذكرها الحافظ ابن حجر(6) في شرح صحيح البخاري.
__________
(1) المقنع ومعه لشرح الكبير الإنصاف(7/543 -544 ).
(2) المرجع السابق.
(3) القوانين الفقهية، ص78.
(4) أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب صوم أيام التشريق (1859).
(5) فتح الباري شرح صحيح البخاري (4/263، 264).
(6) أخرجه البخاري ـ كتاب الاعتكاف ـ باب الاعتكاف في العشر الأواخر (887)، مسلم ـ
كتاب الصيام ـ باب فضل ليلة القدر(1993).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق