الأربعاء، 27 يوليو 2011

فقه العبادات على المذهب الحنبلي : الجزء الأول ....(1)



تعريف الصيام :

الصيام لغة الإمساك بدليل قوله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوما } ( 1 ) أي صمتا وإمساكا عن الكلام

وشرعا : الإمساك عن المفطرات يوما كاملا من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بشرط نيته


_________


( 1 ) مريم : 26


_________


أقسام الصيام :

- 1 - الصيام المفروض

- 2 - الصيام المسنون

- 3 - الصيام المكروه

- 4 - الصيام المحرم

- 1 - الصيام المفروض

الصوم المفروض هو صوم شهر رمضان أداء وقضاء وصوم الكفارات والصوم المنذور

صوم رمضان

فرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة على من توفرت فيه شروط الوجوب وهو ركن من أركان الإسلام . [ ص 392 ]

دليل فرضيته :

من الكتاب قوله تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه . . . } ( 1 )

ومن السنة : حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله . وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة . وحج البيت . وصوم رمضان ) ( 2 )

وإجماع أئمة المسلمين . فمن أنكر صيام رمضان فقد كفر


_________


( 1 ) البقرة : 185

( 2 ) مسلم : ج - 1 / كتاب الإيمان باب 5 / 21


_________


شروط الصيام :

أولا : شروط الوجوب :

- 1 - الإسلام : فلا يجب الصوم على الكافر ولو كان مرتدا كما لا يصح منه بدليل قوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) ( 1 )

- 2 - العقل : فلا يجب الصوم على المجنون ولا يصح منه لما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ) ( 2 )

- 3 - البلوغ : فلا يجب الصوم على صبي لم يبلغ لكن يجب على وليه أمره به إذا أطاقه ويجب أن يضربه إذا امتنع

فإن أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو بلغ الصبي في أثناء الشهر لزمه صيام ما بقي منه ولا يلزمهم قضاء ما مضى

- 4 - الإطاقة : ويقصد بذلك القدرة على الصوم بلا مشقة فلا يجب الصوم على الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم ولا على المريض الذي لا يرجى برؤه [ ص 393 ] لقوله تعالى : { لا يكلف الله نفس إلا وسعها } ( 3 ) ويجب عليها إطعام مسكين عن كل يوم لقوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } ( 4 )


_________


( 1 ) الأنفال : 38

( 2 ) أبو داود : ج - 4 / كتاب الحدود باب 16 / 4403

( 3 ) البقرة : 286

( 4 ) البقرة : 184


_________


ثانيا - شروط صحة الصوم

- 1 - الإسلام كما تقدم

- 2 - العقل : فلا يصح الصوم من غير العاقل فلو نوى الصوم ليلا ثم أغمي عليه أو جن جميع النهار فلا يصح صومه ما لم يفق فيه ولو لحظة من إغمائه أو جنونه . ويجب القضاء في حالة الإغماء أما في حالة الجنون فلا قضاء عليه . ولا يضر النوم ولو استغرق جميع النهار ويبقى صومه صحيحا

- 3 - التمييز

- 4 - انقطاع دم الحيض والنفاس

- 5 - النية :

تعريفها : القصد وهو اعتقاد القلب فعل الشيء خارج وعزمه عليه من غير تردد

ويكون العزم الجازم في القلب على الصوم طيلة اليوم فإن نوى الخروج من صوم الفرض أبطله لأن النية شرط في جميعه

شروط النية :

- 1 - التبييت في الصوم المفروض من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق لكل يوم على حدة لما روت حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) ( 1 ) . فمن لم يبيت النية فعليه الإمساك والقضاء . أما إن أكل أو شرب بعد النية فلا تبطل نيته لأن إباحة الأكل والشرب إلى الفجر دليل على نيته لم تفسد به . [ ص 394 ] أما في الصيام المسنون فتصبح النية في أي وقت من النهار إذا لم يأت بمناف للصوم بدليل ما روته عائشة رضي الله عنها قال : ( دخل علي النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم فقال : هل عندكم شيء ؟ فقلنا : لا . قال : فإني أذن صائم . ثم أتانا يوم آخر فقلنا يا رسول الله أهدي لنا حيس . فقال : أرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل ) ( 2 )

- 2 - التعيين : أي تعيين نوع الفرض هل هو صوم رمضان أو كفارة أو نذر

وينبغي أن تكون النية جازمة فإن نوى ليلة الشك صوم غد إن كان من رمضان وإلا هو متنفل أو مفطر لم يصح صوم ذلك اليوم إن كان من رمضان لأنه لم يجزم به والنية عزم جازم


_________


( 1 ) النسائي : ج - 4 / ص 196

( 2 ) مسلم : ج - 2 / كتاب الصيام باب 32 / 170


_________


ثبوت شهر رمضان :

- 1 - يجب صوم رمضان على الجميع لاستكمال شعبان ثلاثين يوما

- 2 - يجب صوم رمضان على كل من رأى الهلال لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر رمضان فضرب بيده فقال : ( الشهر هكذا وهكذا وهكذا - ثم عقد إبهامه في الثالثة - فصوموا لرؤيته . وأفطروا لرؤيته . فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ) ( 1 ) . ولا يجب على من رأى الهلال إبلاغ الحاكم أو الإعلان في المسجد أو إخبار الناس

- 3 - يجب صوم رمضان لإعلان الإمام دخول رمضان ويثبت عنده دخول رمضان يشهادة شخص واحد مكلف عدل ظاهرا أو باطنا حر أو عبد ذكر أو أنثى . وإن ردت شهادته بقي واجبا عليه الصوم وعلى كل من سمع شهادته ولو ادعى جماعة رؤية الهلال فعلى الحاكم أن لا يقبل إلا شهادة اثنين . [ ص 395 ]

- 4 - إذا ثبتت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقا

وإذا غم الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان فلا يجب إكمال شعبان ثلاثين يوما على إحدى الروايتين ويجب عليه تبييت النية وصوم اليوم التالي لتلك الليلة لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا . فإن غم عليه فاقدروا ( 2 ) له ) ( 3 ) . وهذا هو المعتمد في المذهب

أما الأسير في موضع لا يمكنه فيه معرفة الشهور بالخبر فاشتبهت عليه الشهور فإنه يصوم شهرا بالاجتهاد فإن استبان أن صومه وقع في شهر رمضان أو لم يستبن شيئا أو أنه استبان أنه وقع بعد رمضان أجزأه صومه . أما عن استبان أن صومه وقع قبل شهر رمضان لم يجزئه لأنه قدم العبادة على وقتها كمن صلى قبل دخول الوقت . ولو صام بغير اجتهاد لم يجزئه وإن وافق رمضان

ولا عبرة لقول المنجمين بدخول شهر رمضان


_________


( 1 ) مسلم : ج - 2 / كتاب الصيام باب 2 / 4

( 2 ) اقدروا له : ضيقوا العدة أي يحسب شهر شعبان تسعة وعشرين يوما

( 3 ) مسلم : ج - 2 / كتاب الصيام باب 2 / 8


_________


ثبوت شهر شوال :

- 1 - لا يجوز الفطر إلا بشهادة عدلين ولا تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين ولا يفطر إذا رأى هلال شوال وحده

- 2 - إن غم ليلة الواحد والثلاثين ولم ير الهلال هناك حالتان :

آ - إن كان بدء الصوم بشهادة عدلين أفطروا ولو لم يروا هلال شوال

ب - إن كان بدء الصوم برؤية عدل واحد أو كان قد غم عليهم في أوله وصاموا لأجل الغيم لم يفطروا لأن الأصل بقاء رمضان . [ ص 396 ]

أركان الصيام :

للصوم ركن واحد وهو الإمساك عن دخول المفطرات إلى الجوف بشرط نيته طيلة اليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس

مفسدات الصيام :

أولا : دخول شيء إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ من مائع وغيره مغذ وغير مغذ كالحصاة والنواة ذاكرا عامدا مختارا أما إن كان ناسيا أو مكروها أو نائما فلا يفطر . ومن المفطرات :

- 1 - الأكل والشرب

- 2 - السعوط في الأنف

- 3 - إن ابتلع ما بين أسنانه من طعام أو ابتلع ريقه بعد أن وصل إلى بين شفتيه

- 4 - إن سال من فمه دم أو خرج إليه قلس أو قيء فابتلعه

- 5 - ابتلاع النخامة إذا وصلت إلى الفم على إحدى الروايتين ( الرواية الأخرى : لا يفطر ) والفطر هو المعتمد

- 6 - إن ذاق طعاما ووجد الطعم في حلقه

- 7 - إن مضغ علكا فوجد طعمه في حلقه

- 8 - إن احتقن أو داوى جائفة . بما يصل إلى جوفه

- 9 - إن طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه بما يصل إلى جوفه

- 10 - إن قطر في أذنه فوصل إلى دماغه

- 11 - إن داوى مأمومة ( 1 ) بما يصل إلى دماغه

- 12 - إن اكتحل فوصل الكحل إلى حلقه كأن يجد مرارة الكحل في حلقه ( أما إن شك في وصوله وكان يسيرا فلا يفطر )

- 13 - الاحتقان في الدبر . [ ص 397 ]

أما سبق ماء المضمضة إلى الحلق بالمبالغة أو بالزيادة على الثلاث فيكره ولا يفطر على الأرجح

ثانيا : الحجامة وهي تفسد صوم الحاجم والمحجوم لقول النبي صلى الله عليه و سلم : ( أفطر الحجم والمحجوم ) ( 2 )

ثالثا : الاستقياء عمدا أما من ذرعه القيء فلا شيء عليه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استسقاء عمدا فليقض ) ( 3 )

رابعا : المباشرة دون الفرج مع نزول المني أو المذي كأن قبل أو لمس أما إن لم ينزل فلا يفسد صومه ولكن فعله حرام لما روى عمر رضي الله عنه قال : ( يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال : أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم قلت : لا بأس قال : فمه . ) ( 4 ) . شبه القبلة بالمضمضة

خامسا : إنزال المني عمدا :

آ - بالاستنماء : إن استنمى بيده فأنزل منيا أو مذيا لأنه أشبه بالمباشرة

ب - إن أنزل منيا فقط بتكرار النظر . أما إن صرف نظرة وأنزل أو أنزل بالفكر والاحتلام فلا يفطر . وإن جامع ليلا فأنزل نهارا لم يفطر

سادسا الجماع في الفرج في نهار رمضان سواء أنزل أم لم ينزل ويفسد صوم الفاعل والمفعول به سواء كان الجماع . في القبل أو الدبر حيا أو ميتة عاقلا أو غيره ولو بهيمة وسواء كان الفاعل عامدا أو ناسيا عالما أو جاهلا مختارا أو مكرها أو مخطئا كمن وطئ وهو معتقد أن الفجر لم يدخل وقته ثم تبين أنه وطئ بعد الفجر . [ ص 398 ]

سابعا : الردة لقوله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) ( 5 )

ثامنا : العزم على الفطر لقطعه النية المشترطة في جميعه في الفرض

تاسعا : التردد فيه لأنه لم يجزم بالنية

عاشرا : خروج دم الحيض والنفاس

أحد عشر : الموت لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية . أو علم ينتفع به . أو ولد صالح يدعو له ) ( 6 )


_________


( 1 ) المأمومة : جراحة في الرأس بحيث تبلغ إلى الدماغ

( 2 ) البخاري : ج - 2 / كتاب الصوم باب 32 ، ورواه عن النبي صلى الله عليه و سلم أحد عشر نفسا وحديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( احتجم النبي وهو صائم ) منسوخ وهو في البخاري : 2 / 1837

( 3 ) الترمذي : ج - 3 / كتاب الصوم باب 25 / 720

( 4 ) أبو داود : ج - 2 / كتاب الصوم باب 33 / 2385

( 5 ) الزمر : 65

( 6 ) مسلم : ج - 3 / كتاب الوصية باب 3 / 14

الباب الأول : ص 391 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.